وسائل التواصل وعصر الظهور؟

نقل الشّيخ المجلسي في كتابه (بحار الأنوار: ج52، ص391)، رواية تخصّ عصر ظهور الحجّة المنتظر (أرواحنا له الفداء)، عن ابن مسكان، قال فيها: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «إنَّ المُؤمِنَ في زَمانِ القائِمِ وهُوَ بِالمَشرِقِ لَيَرى أَخاهُ الَّذي فِي المَغرِبِ، وكَذَا الَّذي فِي المَغرِبِ يَرى أَخَاهُ الَّذي فِي المَشرِقِ».

ونحن في هذه الأيام نعيش هذه الحالة، أعني: تواصل الشرق والغرب بالصّوت والصورة، الثابتة والمتحرّكة، وعلى وصف هذه الرواية نكون نحن في عصر الظهور، أو قريبين منه جداً، فإنَّ الرواية لم تذكر كيفية الرّؤية والتّواصل، ويمكن اعتبار الستالايت والإنترنت ووسائل الاتّصال الحديثة من مقدّمات ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ لأنّها تنطبق على مضمون الرواية.

فهل يكون التفكير بهذه الطريقة هو تفكير صحيح؟

نقول: نحن لا ننكر تطوّر العلوم الإنسانية وتقدّمها، وأنّه شامل لجميع المجالات والنواحي الفكرية والمادّية للإنسان طول حياته، ومن المحتمل قوياً أنّ هذا التطوّر العلمي سيكون موجوداً في زمان الظهور المبارك، وربما يكون أكثر تطوّراً، ومن المتوقّع أن تبقى وسائل الاتّصال المعروفة اليوم مستمرّة في فاعليتها وفائدتها إلى ذلك اليوم الموعود المنتظر، وتتطوّر أكثر مما هي عليه الآن.

لكن نقول: لا يمكن أن نجزم أنّ هذا هو المقصود من الرواية، فإنّه صحيح أنّ هذه الوسائل العلمية جعلت الفرد منّا يرى أخاه الذي في المغرب ويسمعه عن طريق الهاتف الذكي، والإنترنت، والبثّ التلفزيوني، وغيرها مما سيظهره العلم لنا مستقبلاً، لكن ذكرت بعض الروايات أنّ ثمّة طرق أُخرى للتواصل خاصّة بعصر الظهور، وربما تفسّر لنا الرواية السابقة، وتوضّح دلالتها، منها: ما رواه الشيخ الكليني (قدس سره) في كتاب (روضة الكافي: ج8، ص241)، عن أبي الربيع الشامي قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «إنَّ قائِمَنا إذا قامَ مَدَّ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لِشيعَتِنا في أسماعِهِم وأَبصارِهم، حَتّى لا يَكونَ بَينَهُم وبَينَ القائِمِ بَريدٌ يُكَلِّمُهُم، فَيَسمَعونَ ويَنظُرونَ إلَيهِ وهُوَ في مَكانِهِ».

ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق (قدس سره) في (كمال الدين وتمام النعمة: ج2، ص674)، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): «إذا تَناهَتِ الأُمورُ إِلى صاحِبِ هذَا الأَمرِ، رَفَعَ اللهُ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ كُلَّ مُنخَفِضٍ مِنَ الأَرضِ، وَخُفِضَ لَهُ كُلُّ مُرتَفِعٍ مِنها، حَتّى تَكونَ الدُّنيا عِندَهُ بِمَنزِلَةِ راحَتِهِ، فَأَيُّكُم لَوْ كانَتْ في راحَتِهِ شَعْرَةٌ لَم يُبصِرها؟!».

فيظهر من هذه الأحاديث أنّ نوعاً من التّواصل بين المؤمنين هو غير التواصل المعروف، والذي سيكون في زمان الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذا النوع كما ترى غير مألوف في زماننا، فهي إمّا أن تقع بنحو الإعجاز وخرق القوانين الطبيعية، أو بتطوّر لم يكن معروفاً في زمان سابق.

والنتيجة: أنّه ليس بالضرورة أن يكون قد تحقّقت طرق التواصل في عصر الظهور حتّى يكون عصرنا هو عصر الظهور.

فليس من الصحيح أن نعتبر وجود وسائل الاتّصال الحديثة من علامات أو مقدّمات الظهور؛ لأنّ وسائل الاتّصال المختلفة وإن كانت ستبقى إلى وقت ظهور القائم(عليه السلام) بحسب الظاهر، إلّا أنّه من المحتمل أن يظهر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعد مئة سنة أو مئتين أو خمسماْئة سنة، وهذه الوسائل ستكون باقية إلى وقت ظهوره(عليه السلام)، فلا يستلزم وجودها الآن قرب الظهور المقدّس، وهذه الرّوايات التي ذكرت هذا النّوع من التواصل إنّما ذكرته وصفاً من أوصاف عصر الظهور لا أنّه وصفٌ خاصّ بذلك العصر، كما نقول: الناس في عصر النبي(صلى الله عليه وآله) يأكلون الهندباء، فهذا لا يعني أنّهم في ذلك الزمن فقط يأكلون هذا النبات، فمن الممكن أن يأكله الناس في أيّ عصر من العصور.

المصدر: مجلة اليقين العدد (59)