منذ أن خلق الله تعالى الخلق، وقدر أن يجعل في الأرض خليفة؛ سن لخلقه سنناً جعلها ملازمة لمخلوقاته تكويناً وتشريعاً، وهي تلك السنن التي لا تغير ولا تبدل، ومن تلك السنن ألا تخلو الأرض من خليفة منصب من السماء.
ولما انحرفت البشرية عن طريق الحق، وساد الظلم والجور بينهم، وتسلط الطغاة على رقاب المؤمنين واستضعفوهم، وكثر جنود ابليس الذي أخذ عهداً على نفسه بأن يغوي البشرية ويبعدهم عن رب العزة والجلال، كذلك وعد الله تعالى أنبياءه، ورسله، وأولياءه بأن يمكن لهم في أرضه، ويعيد لهم الكرة على ابليس وجنوده، ويورث أرضه لعباده الصالحين، ويمن على الذين استضعفوا ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين؛ فبشرهم بمهدي آخر الزمان، الذي سوف يملئ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجورا.
وما أن يبشر كل نبي ووصي بهذه البشارة حتى يبقى هذا الحلم يراوده ويرافقه في كل حين وآن؛ فيترقب الطلعة البهية لصاحب الأمر والزمان، وكلٌ منهم يفديه بنفسه وهو ما يزال يتقلب بين الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة.
فقد جاء في الأثر أن الله تعالى أخذ الميثاق على النبيين فقال: (ألست بربكم وان هذا محمد رسولي وان هذا علي أمير المؤمنين؟
قالوا: بلى، فثبتت لهم النبوة، وأخذ الميثاق على أولي العزم، فقال: أني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، (وان المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعا وكرها)[1].
وجاء في الحديث القدسي: (هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره... إلى ان يقول: (واختم بالسعادة لابنه عليّ وليي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والمعدن لعلمي الحسين، وأكمل ذلك بابنه: (محمد) رحمة للعالمين. عليه كمال موسى، وبهاء عيسى وصبر أيوب، فيذل أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم. فيقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنة في نسائهم، أولئك أوليائي حقا: بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع الآصار والأغلال، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )[2].
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (لما عرج بي إلى السماء السابعة ناداني ربي تعالى: يا محمد... إلى ان قال: (وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي، وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي، وبه أطهر الكنوز والذخائر وأمده بملائكتي لتؤيده على انفاذ أمري وإعلان ديني ذاك وليي حقا ومهدي عبادي صدقا)[3].
وفي مكان آخر قال نبي الله عيسى(عليه السلام): إلهي فمن هو حتى أرضيه، فلك الرضا؟ قال: هو محمد رسول الله إلى الناس كافة إلى ان قال: (يكون في آخر الزمان، إذا خرج أرخت السماء عزاليها وأخرجت الأرض زهرتها، حتى يرو البركة، وأبارك لهم فيما وضع يده عليه، كثير الازواج قليل الأولاد، يسكن مكة موضع أساس إبراهيم )[4].
وفي مكان آخر قال عيسى (عليه السلام): (يا رب وما طوبى، قال شجرة في الجنة، قال عيسى: اللهم أسقني منها، قال: حرام يا عيسى على البشر ان يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي، وحرام على الأمم ان يشربوا منها حتى تشرب أمة ذلك النبي، (أرفعك إليّ ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب ولتعينهم على قتل اللعين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم، إِنهم أمة مرحومة))[5].
اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة، وجوداً، وظهوراً، ونهضة، ونظرية، ليقود قافلة التائهين إلى شاطئ الأمان، وتحقيق رسالة القرآن، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
المصدر: مجلة اليقين العدد (51)