اسمه وكنيته ونسبه:
هو الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي، وقد عُرِف بالخَلاني، قال حرز الدين: إنه لقب بالخلاني نسبة لبيعه الخل حيث كان يكتسب به تستراً بالكسب عن ضغط بعض المبغضين من أهل الخلاف، كما كان الشيخ والده عثمان بن سعيد يبيع السمن حتى عرف بالسمان.
وقيل الخِلاني بكسر الخاء فتكون مأخوذة من الخِلّة، أي: الصداقة والموادعة، فقد عرف الخلاني بالسماحة والوداعة والخُلُق العالي ولم يكن يظهر حقداً على أحد قط، فهو خِلّ وصديق وصاحب لكلّ الناس، فاشتهر عند الناس بالخِلّاني.
اختلف في كونه من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وهو من أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ونائب الناحية المقدسة، وسفير إمام العصر الحجة بن الحسن المهدي (عجَّل الله تعالى فرَجَه).
ولادته: لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته ومكانها، إلّا أنّه كان من أعلام القرن الرابع الهجري.
مكانته:
يكفي في سموّ شأنه وعظيم مكانته أن اختاره الإمام المهدي (عليه السلام) سفيراً ونائباً عنه، مع وجود كوكبة من علماء الشيعة وخيارهم، وكانت له مكانة كبرى عند الشيعة، وقد اجمعوا على عدالته ووثاقته وأمانته.
وكانت الشيعة تحمل إليه الحقوق الشرعية والهدايا ليوصلها إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، كما كانت توقيعات الإمام المهدي (عليه السلام) تخرج على يديه إلى شيعته وخواص أبيه الإمام العسكري (عليه السلام) بالأمر والنهي، والأجوبة عمّا يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه.
السفارة والسفير:
إنّ موضوع السفارة.. وهي الوكالة والنيابة في بعض الشؤون عن الإمام (عليه السلام)، موضوعٌ مرتبط مِن جهةٍ بعقيدة الإمامة، ومن جهةٍ أخرى مرتبط بأمر الغَيبة، وقد أراد الإمامان: الهادي والعسكري (عليهما السلام) أن يُمهّدا للسفارة في غيبة ولدهما المهديّ (عليه السلام)، فكان من ذلك أن عوّدا الناس على الغَيبة أوّلاً والسفارة ثانياً.. فغابا مدّةً محتجبَينِ عن أعين الناس بعد أن عيّنا لهما سفراءَ عنهما يُوصلون إليهما رسائل المُوالين فيها أسئلتهم وحوائجهم.
ويبدو من بعض النصوص التاريخية أن الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) قد مارسا نظام السفارة من أجل إعداد الشيعة نفسياً لموضوع الغيبة، وربما لهذا السبب يلحظ أن الروايات الصادرة عن الإمامين العسكريين (عليهما السلام) قليلة جداً، وقد تكون الظروف التي قدرها الله تعالى هي التي قادت الى اتخاذ هذا الحل خوفاً وتقية بعدما اشتدت الأمور عليهما وعلى شيعتهما، فكانت الأقدار هي التي تمهد هذا الأمر للإمام (عليه السلام) .
وكيف كان فمع بدء عصر الغيبة الصغرى في عام 260هـ ابتدأ العمل بنظام السفارة وأصبحت رؤية الإمام (عليه السلام) غير ممكنة عملياً إلا من قبل أشخاص معينين وهم السفراء الأربعة، عثمان بن سعيد، ومحمد بن عثمان، والحسين بن روح، وعلي بن محمد السمري.
وعليه فيُراد من مُصطلح (السفير) الوساطة بين الشيعة في مختلف الأقطار، وبين الإمام المهدي (عجَّل الله فرَجَه) فكانوا يحملون إليه رسائل شيعته ومحبيه وأسئلتهم، ثم يأتون إليهم بالإجابات والتوجيهات الصادرة منه (عليه السلام)، ومن مهامهم أيضاً أنهم كانوا يستلمون الحقوق الشرعية ويحملونها إلى الإمام (عليه السلام)، أو يتصرفون بها حسب ما تقتضيه المصلحة.
وقد استمرت سفارة السفراء الأربعة قُرابة 70 عاماً، أي من سنة 260 وحتى سنة 329 هجرية، وهي الفترة التي تُعرف بفترة الغيبة الصغرى.
نيابته وسفارته:
عيّنه الإمام المهدي (عليه السلام) سفيراً ثانياً له في عصر الغَيبة الصغرى، بعد وفاة والده السفير الأوّل عثمان بن سعيد العَمري، وكانت سفارته من 265ﻫ إلى جمادى الأُولى 304هـ أو 305هـ، وبذلك تكون سفارته أطول السفارات.
انموذجا من مراسلاته:
عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا، فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام) .
وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا، فمن شاء فليَصِلْ ومن شاء فليقطع فما آتاني الله خير مما آتاكم.
وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره، وكذب الوقاتون. وأما قول من زعم أن الحسين (عليه السلام) لم يُقتَل فَكُفْرٌ وتَكذِيبٌ وضَلالٌ.
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.
وأما محمد بن عثمان العمري - رضي الله عنه وعن أبيه من قبل - فإنه ثقتي وكتابه كتابي، ... وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران، وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث، وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله عز وجل على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال، ولا حاجة في صلة الشاكين، وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُم)، إنه لم يكن لأحد من آبائي (عليهم السلام) إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.
وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الابصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى).
من أقوال الأئمّة (عليهم السلام) فيه:
1ـ قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك)[1].
2ـ قال الإمام العسكري (عليه السلام): (نعم واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمدا وكيل ابني مهديكم)[2].
3ـ قال الإمام المهدي (عليه السلام): (والابن ـ أي محمّد ـ وقاه الله، لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضر وجهه، يجري عندنا مجراه، ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل، تولاه الله...)[3].
4ـ قال الإمام المهدي (عليه السلام): (محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي)[4].
رؤيته للإمام المهدي (عليه السلام):
قال عبد الله بن جعفر الحميري سمعت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) يقول: رأيته - الإمام الحجة – (صلوات الله عليه) متعلقا بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: (اللهم انتقم لي من أعدائي)[5].
وقال: والله إن صاحب هذا الامر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه. [6]
تعزيته بوفاة أبيه:
خرج توقيع من الناحية المقدّسة إليه تعزية بوفاة أبيه عثمان بن سعيد (رضوان الله عليه)، وجاء في الكتاب: (إنا لله وإنا إليه راجعون تسليما لامره ورضاء بقضائه، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)،
فلم يزل مجتهدا في أمرهم، ساعيا فيما يقرّبه إلى الله عز وجل وإليهم، نضر الله وجهه وأقاله عثرته)[7].
وفي كتاب آخر: (أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولدا مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه، وأقول الحمد لله، فإن الأنفس طيبة بمكانك، وما جعله الله عز وجل فيك وعندك، أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك، وكان لك وليا وحافظا وراعيا وكافيا)[8].
وفاته ومرقده:
بعد مهامٍّ جسيمةٍ وخطيرةٍ أدّاها هذا السفير المخلص بكلّ تضحية وأمانةٍ وإخلاص.. كانت وفاته (رضوان الله عليه) في آخر شهر جمادى الأولى سنة أربعٍ وثلاثمائة أو خمسٍ وثلاثمائة للهجرة النبويّة الشريفة.
ورُوي أنّه حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج، ونقش فيه آياتٍ من القرآن الكريم وأسماءَ الأئمّة (عليهم السلام) على حواشيه، وكان في كلّ يومٍ ينزل في قبره ويقرأ جزءً من كتاب الله ثمّ يصعد، وسُئل بعد ذلك ـ كما ينقل العلاّمة الحليّ في رجاله ـ فقال: أُمِرتُ أن أجمع أمري، فمات بعد ذلك بشهرين.
قال أبو الحسن عليّ بن أحمد الدلاّل القمّي أنّه دخل عليه يوماً ليسلّم عليه، فوجده وبين يديه ساجة ونقّاش ينقش عليها ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمّة (عليهم السلام) على حواشيها، فسأله عن الساجة فأجابه: هذه لقبري تكون فيه وأُوضَع عليها (أو قال: أُسنَد إليها).. وأنا في كلّ يوم أنزل فيه فأقرأ جزءً من القرآن فيه فأصعد. ثمّ أخذ العَمري بيد الدلاّل القمّي فأراه قبره.
وقبره معروف يُزار في جامع الخلّاني، في منطقة الرصافة، بالشارع المؤدي إلى باب الكوفة قديما، والآن يقع في (محلة الخلاني) نسبة إليه والى مرقده الطاهر، وهو أحد المراكز الشيعية في بغداد، واليوم يطل مرقده على شارع الجمهورية العام، ويقع في منطقة تجارية مزدحمة، وله جمالية خاصة يلاحظها الرائي من بعيد.
وله حرم مجلل بجانبه جامع عامر بالمصلين، وفيه مكتبة عامرة ذات كتب قيمة تعرف بمكتبة الخلاني العامة تأسست سنة 1364 هـ، تدار برعاية بعض أهل الفضل وفي هذا الجامع ألقى الشيخ الوائلي الكثير من محاضراته القيمة.
إعمار المرقد الشريف:
تم اعمار المرقد أكثر من مرة ففي سنة 1349 هـ جدد مرقده وجامعه، وعلى أعلى المرقد كتب على الكاشي القاشاني: جددت قبة وحرم الشيخ محمد بن سعيد بن عثمان العمري الخلاني... من قبل المتبرع الحاج إبراهيم بن حسن بن وهيب الحمامي عام 1391ـ1971.
معبد شرفـه الله بــقبر خد فيه نـائب المـهدي محمد
شـاده زيــدان فـي جد ومال وأخـوه الــقـاسم الشهم الممجد
عمّراه عمّر الرحمن قصرا لهما فـــي جـنـة الخلد مخلد
مـذ أتـماه بــنـاءً أرخــاه معبد أُســس فـي ذكرى محمد