كان للتطور التكنولوجي السريع، والتوجّه المادي الذي شهدته البشرية في العقود الأخيرة آثارٌ سلبية على حياة كثير من الشعوب كماً وكيفاً، وخاصة في الفئات الأكثر حيوية وفعالية في المجتمع، ألا وهي فئة الشباب.
وقد مارست ماكنة العولمة الإعلامية على هذه الفئة برامج وطرق دعائية بالغت فيها كماً وكيفاً، فإن فئة الشباب فئة مستهلكة مرغوب فيها عند أصحاب المنتجات التي جاء بها هذا التطور المادي، فضلاً عن كونها الفئة الأسهل تعاملاً وتأقلماً مع برامج آليات تلك العولمة، ربما لرخاوة قيمها ومبادئها أو لتوافق آليات العولمة مع الحاجات الجسدية الملحة للشباب، وهم يملكون طاقات تكون متفجرة في الجهة التي يتوجهون إليها.
هذه وغيرها الكثير من الأسباب، أدت إلى ظهور عادات وتقاليد غربية بانت كطفح جلدي في جسم شباب الأمة الإسلامية، وهو مرض ساعد على انتشاره التقليد غير المنضبط لثقافة الغرب، تحت عناوين غائمة، غير واضحة المصاديق، منها ما يسمى بالتحضر، ومنها ما يقال عنه تقدّم، أو تطوّر، وهي مصطلحات أفلتها أصحاب المصالح عن ضوابطها وقوانينها، فظهر ذلك في شبابنا من خلال اللباس والسلوك وهو في طريقه إلى الفكر والمعتقد.
المشكلة عند شبابنا هو سوء استغلال أوقات الفراغ، وهذا الانصياع لثقافة الغير كان نتيجة لهذه الفقرة، خصوصاً وإن هذه الثقافة المستوردة تقدم حلولاً جاهزة لمشاكلهم، مما أثّر في تفكيرهم وإبداعهم وأغرق أذهانهم في بحر من العجز والكسل، فصارت هذه الفئة تقضي أوقات فراغها في متابعة جديد المادة الغربية من خلال الإنترنت والتلفاز، وتعتبرها عوامل ثقافية لا توفرها لهم آليات وإمكانات ثقافتهم وحضارتهم.
أضف إلى ذلك ضعف رقابة الأسرة لأفرادها، وعدم الاهتمام بقيم وعادات المجتمع الإسلامي ومرتكزاته، يعدم المانع من تقليد ثقافة الغير.
أما الشباب أنفسهم فإن غياب الوازع الديني، وشعورهم باللامبالاة، وسوء اختيار القدوة والمثل الأعلى للشاب كان له دور فاعل في هذا التقليد العشوائي، كل ذلك جعل هذه الفئة تتطبّع بعادات غير أصيلة.
أي بني:
لابد أن تعلم أن ضياع وفقدان الهوية للفرد أو المجتمع هو من أخطر ما يحل بالإنسان من أنواع الضياع الذي يمكن أن يتعرض له الإنسان؛ لأنه يؤدّي إلى هدم الكيان والشخصية والخصوصية، بل يُمثّل انهياراً لكل القيم السائدة في المجتمع، ويخدش الأساس الذي يبني عليه الفرد ثقافته وثقافة مجتمعه، وكيف تتصور مجتمعاً قائماً بلا موازين ثابتة وضوابط واضحة، بلا إشكال ستكون صورة لمجتمع متخلّف يشرب من بركة الجهل، وينتظر قوته الفكري من فتات المجتمعات الأخرى...
ومن العيب أن يضيّع الإنسان هويته، فكيف إذا كانت هذه الهوية هي الإسلام، تحمل المبادئ والقيم الإلهية والهداية التي لا هداية غيرها! وكيف نحكم على إنسان يتخلّى عن كل هذا، ويذهب ليرمي بنفسه بين مجتمعات لا تراعي له حرمة أو كرامة؟
لذلك ولخطورة فقدان الهوية على الدين، رفض الإسلام تقليد الآخرين حتى في أصغر الأمور، وحتى على مستوى الشكل فضلاً عن المضمون، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): «غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ والنصارى»[1].
وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «وقلموا الاظفار ولا تشبهوا باليهود»[2].
وقوله: «حفّوا الشوارب، واعفوا اللحى، ولا تشبّهوا باليهود»[3].
وفي رواية ثالثة عنه (صلى الله عليه وآله): «اكْنُسُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ»[4].
فلاحظ كيف أنه (صلى الله عليه وآله) يؤكد في نصائحه وتوجيهاته للمؤمنين على ضرورة تربية المجتمع على الالتزام بالمظهر الحاكي عن الإيمان والعلاقة بالدين، وترك تقليد الغير والتشبّه بهم، حتى لا تضييع الهوية الإسلامية، أو تضعف أمام باقي الثقافات.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (37)