الشيخ جعفر الكبير (كاشف الغطاء)

يقول صاحب كتاب اللمعات: قال أستاذنا الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر الكبير صاحب كتاب (كشف الغطاء) في مجلس الدرس ذات يوم: كان الشيخ الكبير في الليالي ينام قليلاً ثم يستيقظ ويبقى مشغولاً بالمطالعة إلى وقت صلاة الليل، ثم يأخذ بالتضرع والمناجاة إلى طلوع الفجر.

ذات ليلة سمعنا صراخه ونحيبه، وكان كأنه يلطم على رأسه، ركضت أنا وإخوتي فرأيناه وقد تغيّرت حالته وقد بللت دموعه ثيابه، وهو يلطم على رأسه ووجهه، امسكنا بيديه، وسألناه عن السبب قال: صدر مني خطأ، ذلك أني أول الليل كنت أفكر في مسألة فقهية بيّن العلماء الكبار حكمها، وكنت أبحث عن دليل الحكم في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) فراجعت كتب الأحاديث عدة ساعات، ولم أجد مستندها، وتعبت وقلت بسبب التعب الشديد: جزى الله العلماء خيراً حكموا حكماً بدون دليل ثم نمت.

فرأيت في عالم النوم أني ذهبت إلى الحرم المطهر لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعندما وصلت إلى محل نزع الأحذية رأيت في الصُّفة سجاداً، ومنبراً عالياً في صدر المجلس، وشخصاً موقّراً ذا وجه جميل ونوراني جالساً على المنبر، وقد أخذ بالتدريس، وكان المكان غاصاً بالعلماء الاعلام، يستمعون إلى الدرس، سألت شخصاً: من هم هؤلاء؟.. ومن هو الجالس على المنبر؟..

قال: هو المحقق الأول صاحب الشرائع، وهؤلاء الذين تحت المنبر هم علماء الشيعة، فسررت وقلت في نفسي: حيث إني منهم طبعاً سيحترمونني، وعندما صعدت إلى حيث كانوا سلّمت، ولكنهم أجابوا جواب المُكْرَه العابس، وأرشدوني إلى مكان للجلوس.. فغضبت لذلك، والتفت إلى المحقق وقلت: ألست من فقهاء الشيعة، فلِمَ تتعاملون معي هكذا؟..

فقال المحقق بمنتهى الحدة: يا جعفر، بذل علماء الإمامية جهوداً وأنفقوا الكثير حتى جمعوا أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام) من أطراف المدن من الرواة، وصَنّفوا كل حديث في محله بأسماء الرواة، وأحوالهم، وتصحيحها، وتوثيقها أو تضعيفها، حتى يأتي أمثالك ويجدوا مستند الأحكام ودليلها.. أنت جلست عدة ساعات على السجادة ولاحظت عدداً من الكتب الموجودة لديك ولم تلاحظ بعد كل ما لديك وفوراً اعترضت على العلماء ونسبت إليهم أنهم أفتوا بدون مستند ودليل، في حين أن هذا الرجل الموجود تحت المنبر، أورد هذا الحديث في عدة أماكن من كتابه، وذلك الكتاب موجود بين كتبك ومؤلفه هذا الشخص الذي يسمى الملا محسن الفيض الكاشاني.

أضاف الشيخ جعفر: فارتعدت فرائصي من كلام المحقق، واستيقظت من النوم، وبسبب ذنبي والندم عليه أصبحت على هذه الحالة التي ترون.

في هذه المناسبة نذكر حديث عن الإمام علي(عليه السلام): (لا يكون العالم عالما حتى لا يحسد من فوقه، ولا يحتقر من دونه، ولا يأخذ على علمه شيئا من حطام الدنيا)[1].

 


[1] ميزان الحكمة:ج3، ص2088.