أبسط مفهوم للتقية أنها أدب قرآني أدّبنا الله به للحفاظ على طريقة حياة منضبطة تتلاءم مع الطبيعة الإنسانية، قال الله تعالى: (لا يَتَّخِذُ المُؤمِنُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ وَمَن يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَيسَ مِنَ اللهِ فِي شيءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُم تُقَاةً)[1]، وقوله تعالى: (إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)[2]، وقد نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر الذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفا من أعداء الإسلام. وهذا الأدب القرآني يقوم على ترك كلّ فعل أو قول يؤدي إلى إراقة الدماء، أو تشويه المعتقد، أو إيجاد الفرقة والعداء بين الناس، فيتقي المسلم كل ما يؤدي إلى الاختلاف والتنازع على نحو الفرد أو الجماعة.
والتقيّة قبل كل شيء أمر عقلائي لا يتخلّف في أي فرد أو جماعة، فكلّ إنسان عندما يشعر بالخطر على نفسه أو ماله في عمل أو قول فإنه يتكتَّم عليه ويخفيه ليتّقي ذلك الخطر، وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول، ومن الغريب جدّاً أن ينكرها عاقل، أو يشنّع بها على طائفة أو مذهب والجميع يعملون بها، شعروا بذلك أو لم يشعروا.
ومن جانب آخر فإن التقية موضوع له حكم في الشريعة الإسلامية وليس هو حكمثابت، فقد يتغير حسب الأحوال والزمان والمكان، فهي قد تجب أو تجوز، وقد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام، وجهاد في سبيله، فإنه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعز النفوس.
وقد تحرم التقية كما في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجاً للباطل، أو فساداً في الدين، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم.
وعليه فإنه ليس معنى التقية عند الإمامية أنها تجعل منهم جمعية سرية لغاية الهدم والتخريب، كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأمور على وجهها، ولا يكلفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا.
كما أنه ليس معناها أنها تجعل الدين وأحكامه سرا من الأسرار لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به، كيف وكتب الإمامية ومؤلفاتهم فيما يخص الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أية أمة تدين بدينها.
أحاديث العترة الطاهرة في التقية
عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عزّ و جلّ: «وَ لٰا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ» قال:(الحسنة: التقيّة و السيّئة: الإذاعة و قوله عزّ و جلّ: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (السَّيِّئَةَ)» قال: الّتي هي أحسن التقيّة، «فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدٰاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[3].
عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَا وَ اللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ التَّقِيَّةِ يَا حَبِيبُ إِنَّهُ مَنْ كَانَتْ لَهُ تَقِيَّةٌ رَفَعَهُ اللَّهُ يَا حَبِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَقِيَّةٌ وَضَعَهُ الله يَا حَبِيبُ إِنَّمَا النَّاسُ هُمْ فِي هُدْنَةٍ فَلَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا)[4].
وسئل إمامنا الصادق عن قول الله عز وجل : "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" قال : "أعلمكم بالتقية"[5].
وَ قِيلَ لِلصَّادِقِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّا نَرَى فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُعْلِنُ بِسَبِّ أَعْدَائِكُمْ وَ يُسَمِّيهِمْ. فَقَالَ: «مَا لَهُ- لَعَنَهُ اللَّهُ- يَعْرِضُ بِنَا،وقال الله تعالى: ﴿َلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾. [6]
كيف نعيد الثقة بالشباب
إن حياة الشاب صغيرة جداً لأنها تتناسب مع تطلعاته التي تأخذ حجمها من الفرص المتاحة أمامه، وعندما ننظر إلى تجارب الشباب في هذه الأيام نجدها مبعثرة غير مستقيمة وليس فيها توازن أو انسجام بحكم الضياع الذي يتعرض له لأسباب مختلفة؛ فتارة بسبب الإهمال وأخرى بسبب أصدقاء السوء وثالثة بسبب ضغط الحاجة وقسوة الظروف وهكذا.
ومن الطبيعي أن يفقد الإنسان الشاب سبيله اذا كانت حياته تبدا بهذه العشوائية الواضحة؛ لذا يتحتم علينا إعادة الثقة إليه واكتساب ثقته من جديد لان فقدان تلك الثقة تشكل مشكلة يصعب حلها مع الأيام.
ولما كانت الأسباب الاجتماعية تدفع الإنسان الشاب نحو التأقلم مع الوضع العام فسيكون مصيره الضياع لان الوضع العام لا يهتم لحاجاته وآماله التي تشغل باله .
وعندما تكثر الهموم على النفس ترى كيف أن نفس الشاب تنقبض نحو الداخل وكأنها تريد الانكفاء والتقوقع وعدم الاتصال بالآخرين وفي مثل هذه الحالة يجب أن يدق ناقوس الخطر في نفوس الأهل والاحبة حزنا على ضياع ثقة هذا الإنسان وذهابه بعيدا عنهم وكان الأجدرأن يكون في كنف المسؤولين عنه ويحظى بعنايتهم .
لهذا يجب أن نبادر إلى محاولة الاستعادة التدريجية للشاب من غربته التي يشعر بها ووحدته التي يشعر بها ويظن أن الاخرين لا يهتمون لأمره وكأنه سقط متاع بال.
وهذه المبادرة يجب أن تكون مدروسة بعناية فان مجرد الشعور بالخطر ليس كافيا في حل المشكلة ويجب في هذه الحالة أن نضع حلولا متعددة لكل مشاكله التي يشعر بها لان عدم التخطيط في رصد هذه القضية وحلها سيؤجل الحل النهائي وربما يلغيه من الوجود بالمرة.
ولما كانت الجهات المسؤولة عن هذه القضية متعددة يجب أم تتضافر الجهود في وضع استراتيجية خاصة بكب شاب وأسباب ابتعاده عن حضنه وعشه الأصلي حتى نميز بين النتائج السلبية وأسبابها ثم نضع الحلول المناسبة لها؛ وذلك لان فهم أسباب الحالة يحتاج إلى دراية كبيرة ووعي عميق وبالتالي يساهم في إنجاح المهمة التي هي إعادة الشاب إلى مكانه الأصلي بين يدي اهله ومحبيه.