لماذا الغيبة

سؤال يتكرر في الأوساط الشيعية وغير الشيعية، هو: لماذا يغيب الإمام (عليه السلام) مع حاجة الناس إليه؟ 

ولا نريد أن يكون الجواب على نحو التسليم لأمر الله وإرادته فقط (وإن كان هو بحدِّ ذاته يصلح جواباً)، بل نحاول بيان الجانب الموضوعي في الجواب، فنقول:

هناك عدة أسباب دعت إلى غياب الإمام (عليه السلام):

1-   الخوف على حياته من بني العباس: فقد تلونت أشكال ظلمهم لأهل البيت(عليهم السلام)، فأذاقوهم العذاب والقتل والتهجير دون أن يرعوا حرمة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) فيهم، فكان الإمامان علي الهادي والحسن العسكري(عليهما السلام) تحت الإقامة الجبرية في سامراء، خصوصاً بعد علمهم بأنه يولد منهم آخر أئمة الشيعة، وكانوا يترقبون ولادته لإلقاء القبض عليه، وتصفيته جسدياً، لعلمهم أنه هو الذي يقيم العدل، وينشر الحق، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس، وهذا معناه القضاء على جميع أنواع الظلم، وزوال حكمهم، فهذا هو السبب الرئيسي في عدم ظهوره(عليه السلام) للناس، يقول الشيخ الطوسي: (لا علة تمنع من ظهور المهدي إلّا خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار)[1].

2-   الامتحان والاختبار: السبب الآخر لغيبة الإمام (عليه السلام)، وهو امتحان العباد واختبارهم، وتمحيصهم، وهو السبب الذي ورد في حديث النبي (صلى الله عليه وآله): «أما والله ليغيبن إمامك شيئاً من دهركم، ولتمحصن، حتى يقال: مات أو هلك بأيّ واد سلك، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين، ولتكفأن كما تكفأ السنن في أمواج البحر، فلا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه»[2].

3-   التخلص من بيعته لظالم: لا يمكن أن تكون في عنق الإمام المعصوم بيعة للظالم، فقد روى الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم، يطلبون المرعى فلا يجدونه»، فقال له: ولم ذاك يا بن رسول الله؟ قال(عليه السلام): «لأن إمامهم يغيب عنهم، ولمَ؟ لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف»[3].

وأعلن الإمام المنتظر (عليه السلام) ذلك بقوله: «إنه لم يكن لأحد من آبائي (عليهم السلام) إلّا وأوقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، واني أخرج حين أخرج، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي»[4].

هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام)، وأكبر الظن أن الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب لا نعلمها إلّا بعد ظهوره.

المصدر: مجلة اليقين العدد (29)

 


[1] الغيبة: ص199.

[2] البحار: ج53، ص281.

[3] عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق: ص274.

[4] منتخب الأثر: 267.