إسقاط الروايات على الأحداث

 البعض من الناس ما أن يسمع بحادثة أو أزمة من الازمات العامة، إلا ويربط ذلك بقضية الظهور المقدس، والحال أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، قد وضعوا لنا علامات وضوابط وقواعد وشواهد وأمارات، وكل ما يتعلق بخروج الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، فعلى سبيل المثال هناك من يجزم أن ما يحدث في المنطقة هي علامات للظهور، لكن لو رجعنا إلى الروايات والضوابط، وأوكلنا الأمر لذوي التخصص من العلماء، ونسألهم عما يحدث لا نسمع منهم ممن يدعي جازماً قرب الظهور، أو أن هذه من علامات الظهور،لذا حين نرجع للروايات نرى التصنيف لعلامات الظهور منها حتمية وأخرى غير حتمية، ومن خلال فهمنا لذلك نحدد الواقعة أو الحدث المتعلق بالظهور المقدس.

  إنّ ما نريد قوله أيها الأخوة الاعزاء، هناك من الرواة من وعى وحفظ الأمانة وأداها، ومنهم من وسوس له الشيطان أن يحرف الحديث أو يختلقه فكذبوا على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، فأهلكوا أنفسهم وأتعبوا من بعدهم أعاذ الله المسلمين من شرهم، وجاء المؤلفون في هذا الموضوع فقام بعضهم بإجلاء بعض الجوانب وإلقاء عدد من الأضواء جزاهم الله عن الإسلام وأهله خيراً، وجاء بعضهم كحاطب ليل، كأنما أشرب حب التخليط، يقبل كل ما روي، ويعمل لاقناعك به، ويتعسف الجمع بين متضاده ومتناقضه، أو يطبق العلامات على أحداث عصره بتفسيرات لا سند لها إلا الإحتمال المطلق، وكأنّ العلامات كلها تخص عصره وما بعده بسنوات، وليس منها علامة تحققت في الماضي الطويل أو تجيء في المستقبل البعيد.

ما هو الحل؟!:

وكل ما تقدم يحتّم ويُلزم بوضع حلّ لهذا المشكل، تُتَلافى معه تلك السلبيات مع الحرص على أن تؤدي تلك الاخبارات الغيبية الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) دورها الذي ألقيت من أجله،وقد بادروا (عليهم السلام) إلى وضع حل يضمن ذلك بصورة تامة ودقيقة وقد جاء منسجماً تماماً مع الهدف الذي ترمي إليه الإخبارات الصادرة عنهم (عليهم السلام).

وقبل التعرض لهذا الحل نشير إلى حقيقة هامة، إذا أدركناها فإنّه يسهل علينا معرفة صوابية ذلك الحل الذي قدموه (عليهم السلام).

الفرق بين ما وقع وبين ما سيقع:

وهذه الحقيقة هي: أن المعصومين (عليهم السلام) ما كانوا بإخباراتهم تلك يريدون ربط الناس بما سيقع، من أجل أن يستغرقوا فيه، أو ليكون ذلك عذراً أو مبرراً للوقوف على هامش الساحة في موقع المتفرج، إن لم يصبح عبئاً يثقل كاهل العمل المخلص والجاد، ويثقل خطب العاملين كذلك.

هذا كله.. عدا ما يمارسه الكثيرون ممن لديهم هذا الفهم من دور سلبي في مجال التثبيط، وإيجاد حالة من الفشل والإحباط.

 وقد يتعدى ذلك إلى إيجاد الانقسامات والاختلافات التي تستهلك الطاقات، وتستنفد الهمم والعزائم، ليصبح العدو - من ثم - أقدر على توجيه الضربات الساحقة، والماحقة، لكل جهد مخلص، أساسي وبنّاء.

 الحل الأنسب:

وبعد هذا التوضيح الذي ذكرناه نقول: إن هذا الحل يتلخص في إعطاء ضابطة عامة للأحاديث التي تتحدث عن المستقبل، وعن علامات الظهور للإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، تشير إلى أنها جميعاً حتى ما صح سنده منها إنما تتحدث عن أمور ليست بأجمعها حتمية الوقوع، فمن الجائز أن لا يقع بعض منها، ولكن هذا البعض لا يمكن لنا تحديده بالدقة،والسبب في ذلك هو: أن الإمام (عليه السلام) أو النبي (صلى الله عليه وآله)، إنما يتحدث ويخبر عن تحقق المقتضي لوجود ظاهرة، أو حدث مّا وفق ما هو مخزون في علم الغيب، بحيث لو سارت الأحداث على طبيعتها لتحقق ذلك المقتضي.

ولكنه (عليه السلام) لم يخبر عن شرائط تأثير تلك المقتضيات هل سوف توجد أم لا؟ كما أنه لم يخبر عن الموانع التي قد تعرض للمقتضي، وتمنعه من التأثير.

وإذن.. فإذا تحقق شيء مما أخبر عنه (عليه السلام)، فإن ذلك يكشف عن تحقق شرائطه، وفقد موانعه، وتمامية عناصر علته، وإذا لم يتحقق، فإن ذلك يكشف عن عروض مانع، أو فقد شرط تأثير ذلك المقتضي.

فهو (عليهم السلام) إنما يخبر عن أمور قد تختلف في المآل والنتيجة، ولكنها متحدة، وذات طبيعة واحدة، وفي نسق واحد من حيث تحقق مقتضياتها،وهذا بالذات هو ما تعنيه الروايات التي نصّت على حتمية بعض علامات الظهور، وأوضحت أن سائر ما يُذكَر في الروايات مما عدا ذلك قد لا يقع بعض منه إما لاحتمال أن لا يوجد شرط وقوعه، أو لوجود المانع من الوقوع، فلا مجال بعد لرسم خريطة للأحداث المستقبلية، ولا يصح صرف الجهد في التعرف على ما سيحدث، ومحاولات من هذا القبيل لن يكون لها الأثر المطلوب في ترغيب الناس، أو ترهيبهم، ما دام أنه لم يعد ثمة مجال للاستفادة من الأخبار صحيحها وسقيمها إلا بعد وقوع الحدث، فيأتي حينئذ دور المقارنة بين ما هو مذكور في الرواية، وبين ما وقع فعلاً ويكون الإيمان به، أو عدمه على هذا الأساس.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتناول هذا الموضوع – علامات الظهور واشكالية التطبيق - في الحلقات القادمة من هذه السلسلة المهدوية المباركة.