النظافة العامة والمجتمع

كلّما رأيتُ شخصاً ماشياً أو في سيارة، يرمي شيئاً من يده في الشارع أو أي مكان عام أو حتى في دائرته التي يعمل فيها، كأن يكون الشيء الذي يرميه قنينة ماء أو مشروب غازي أو عقب سيكارة أو بقايا علكة وغيرها أتذكر مقولة كانت أمي ترددها أمام مسامعنا وهي تربينا على مبادئ النظافة العامّة في صغرنا، كانت تقول: إن مَن لا يحرص على نظافة المكان الذي يقف فيه، أيّاً كان هذا المكان، إنّما هو قذر في بيته هذه المقولة اتخذتها حكمة، تجعلني أحكم دوماً على كلّ مَن يرمي على أرض دائرته أو الشارع أو أي مكان عام شيئاً وإن كان عود ثقاب بأنّه كما قالت أمّي.

هل نُخطئ كما يخطئ الآخرون؟

الذي يثير الغيظ أكثر إن أولئك المتجاوزين على نظافة الممتلكات العامّة يبررون تصرفاتهم تلك بأنّ البلد كلّه وسخ أو شوارعه كلّها وسخة، فكيف يكون المواطن نظيفاً؟! أو بأنّ الكل يرمي النفايات في الشارع، فلماذا لا أفعل أنا مثلهم؟! وكأننا يجب أن نخطئ كما يخطئ الآخرون، ونسلك بالضرورة ما يسلكونه! من جانب، نقول.. نعم، لو كانت الدوائر المسؤولة عن النظافة حريصة على تنظيف الشوارع والأمكنة العامّة، وتوفرَ قانون يحاسب المتجاوز على النظافة العامّة، لكان لزاماً على المواطن أن يحافظ على نظافة الشوارع والأمكنة العامّة، بل لوجد مواطنين آخرين يهبون لردعه إن هو تجاوز ورمى نفاية ما في شارع نظيف، لكن من جانب آخر لا يجوز أن نبرّر أو نعوّل على هذا أو نتحجج بأنّ الشارع وسخ كله ورمينا نفاية أخرى فيه لا يعني شيئاً أمام النفايات المنتشرة فيه، بل يجب أن تنبع النظافة من دواخلنا، فهي من الإيمان كما نعرف جميعاً وهي من الشعور بالوطنية والمسؤولية تجاه المجتمع، وقبل هذا وذاك هي تعبير عن احترام الذات كذلك، فكيف يدّعي أحدهم أنّه مؤمن لمجرد أنّه يلتزم ببعض آداب الدَّين ولا يلتزم بالنظافة العامة ؟!

وورد عن النبي(صلى الله عليه وآله): «أنّ النظافة من الإيمان»[1].

وعنه(صلى الله عليه وآله): «بئس العبد القاذورة»[2].

وكيف يكون المواطن وطنياً إذا كان يزيد من حجم الأوساخ في الشوارع؟! وكيف يريد أن يُبنى البلد إذا لم يُسهم المواطن بنفسه بما يستطيع وبما يعبّر عن تحضّره ومدنيته؟ وكيف ينتظر من الآخر أن يحترمه إذا لم يحترم هو ذاته؟!

إنّ الذين يتجاوزون على نظافة الممتلكات والأمكنة العامّة.. هل يقبلون بأن يتجاوز آخرون على ممتلكاتهم الخاصّة، في الوقت الذي لا يلتفتون إلى حقيقة أنّ الممتلكات العامّة وجدت لأجلهم ولخدمتهم، وبالتالي فإنّ نظافتها من شأنهم، كما هي الحال مع الشوارع والأرصفة وسائر الأمكنة العامّة التي نظافتها أو قذارتها تنعكسان علينا، فكيف يتقبّل بعضٌ أن يكون هذا الانعكاس سلبياً، كما هي الحال مع بعضٍ يتوقف بسيارته وسط الشارع ويفتح بابها الأمامي ويمدّ يده إلى الشارع حاملاً منفضة سكائر ليرمي ما فيها من رماد سكائر وبقايا حلوى وعلك على الشارع، ثمّ يغلق الباب وينطلق بسيارته كأنّ شيئا لم يكن، ومثلهم كثيرون ممن لا يتوانون حتى عن رمي أوساخهم على جيرانهم، وأولئك جميعاً ينبغي لهم أن يخجلوا من تصرفاتهم التي تعبّر عن جهل وهمجية وعدم تحضّر أو مدنية، وعليهم أن لا يتحدّثوا عن النظافة أو حتى الأناقة أمام أحد وإلاّ أثار ذلك سخريته؛ إذ لن يصدق أنهم نظيفون في بيوتهم، كما ستبدو عنايتهم بمظاهرهم مفتعلة وناشزة وغير متوافقة مع تجاوزهم على أناقة المكان العام.

فيا أيّها المنتهكون للنظافة العامّة التفتوا إلى الأذى الناجم عن تجاوزاتكم، ولا تسهموا في زيادة بشاعة الشوارع وتلوثها ما ينعكس سلباً على الصحة العامّة وسلامة البيئة، فيكفينا تقصير الدوائر البلدية في أداء مهامها، ولا تخدشوا الأمكنة العامّة ولا تتجاوزوا على نظافة الدوائر الرسمية.

 


[1] بحار الأنوار، المجلسي: ج62، ص 291.

[2] الكافي، للكليني: ج6، ص439.