الإمام الحسين (عليه السلام) في القرآن

جاء القرآن الكريم بآيات كثيرة تخص أهل البيت (عليهم السلام)، فمنها ما تختص بأهل البيت (عليهم السلام)، ولا يمكن تفسيرها في غيرهم كآية التطهير مثلاً، ومنها ما تنطبق وتؤوّل بهم (عليه السلام)، وهذا ما ورد في رواياتهم (عليهم السلام) في تفسير بعض الآيات حيث تصدّوا هم (عليهم السلام) لبيانها؛ فهم يعلمون باطن القرآن وتأويلاته التي لا يهتدي إليها أيّ عقل غيرهم.  

وإذا لاحظنا أنّ كلّ آية ورد فيها قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، وكل آية تتحدث حول المؤمنين فهي بالدرجة الأولى تتحدّث حول أهل البيت (عليهم السلام)؛ لأنّهم هم المؤمنون حقّاً وهم في أعلى درجات الإيمان، فالقدر المتيقّن والفرد الأكمل من مصاديق الآية هم (عليهم السلام).

أما الإمام الحسين (عليه السلام) فهو أبرز أفراد أهل البيت (عليهم السلام) خامس أصحاب الكساء، فقد ذُكرت تأويلات لآيات كثيرة فيه بالخصوص فضلاً عن شموله بالآيات الخاصة بأهل البيت (عليهم السلام)، فالإمام الحسين (عليه السلام) مصداق لها جميعاً فهي تشمله، وسنذكر بعض الآيات التي أوّلت فيه (عليه السلام) بخصوصه:

أولاً: قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[1]

عن الفضل قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: (لما أمر الله (عزّ وجلّ) إبراهيم (عليه السلام) أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب. فأوحى الله (عزّ وجلّ) إليه: يا إبراهيم من أحب خلقي إليك؟ فقال: يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد، فأوحى الله إليه: أ فهو أحب إليك أم نفسك؟ قال: بل هو أحب إلي من نفسي، قال: فولده أحب إليك أم ولدك؟ قال: بل ولده، قال: بذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي، قال: يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم لذلك وتوجع قلبه وأقبل يبكي، فأوحى الله (عزّوجلّ): يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل -لو ذبحته بيدك- بجزعك على الحسين وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب وذلك قول الله (عزّوجلّ): {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} .[2]

ثانياً: قوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) عن سعد، عن ابن يزيد وابن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله(عزّوجلّ): {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}، قال: «نزلت في الحسين بن علي (عليهما السلام)»[3].

ثالثاً: قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) جاء في تفسير القمي، ص725: جعفر بن أحمد، عن عبد الله [أو عبيد الله] بن موسى، عن ابن البطائني، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} يعني الحسين بن علي (عليهما السلام).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنها سورة الحسين بن علي (عليهما السلام) وارغبوا فيها رحمكم الله تعالى، فقال [له] أبو أسامة -وكان حاضر المجلس-: وكيف صارت هذه السورة للحسين (عليه السلام) خاصة؟ فقال: ألا تسمع إلى قوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} إنما عنى الحسين بن علي (صلوات الله عليه) فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية، وأصحابه من آل محمد (صلّى الله عليه وآله) هم الراضون عن الله يوم القيامة وهو راض عنهم». وفي ثواب الأعمال: ابن بابويه بإسناده عن داوود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنّها سورة للحسين (عليه السلام) يوم القيامة في درجته من الجنة إن الله عزيز حكيم».[4]

رابعاً: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}[5].

كتاب النوادر لعلي بن أسباط: عن ثعلبة بن ميمون، عن الحسن بن زياد العطار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزّوجلّ): {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} قال: نزلت في الحسن بن علي (عليهما السلام) أمره الله بالكف، قال: قلت: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ} قال: نزلت في الحسين بن علي (عليهما السلام) كتب الله عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه. قال علي بن أسباط: ورواه بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السلام) وقال: لو قاتل معه أهل الأرض كلهم لقتلوا كلهم.[6]     

خامساً: قوله تعالى: {كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} سعد بن عبد الله قال: سألت القائم (عليه السلام) عن تأويل: {كهيعص} قال (عليه السلام): «هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصَّها على محمد عليه وآله السلام، وذلك أن زكريا سأل الله ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل (عليه السلام) فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن (عليهم السلام) سري عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة، فقال (عليه السلام) ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال: {كهيعص} فالكاف: اسم كربلاء، والهاء: هلاك العترة الطاهرة، والياء: يزيد وهو ظالم الحسين، والعين: عطشه، والصاد: صبره. فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه: إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما؟ ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقرُّ به عيني على الكبر، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم أفجعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده، فرزقه الله يحيى وفجعه به» وكان حمل يحيى ستة أشهر، وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك الخبر.[7]

سادساً: قوله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}[8].

عن علي بن محمد رفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزّوجلّ): {فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم} قال: (حسب [أي نبي الله إبراهيم (عليه السلام) فرأى ما يحل بالحسين (عليه السلام)، فقال: إني سقيم لما يحل بالحسين (عليه السلام).[9]

 


[1] الصافات: 107.

[2] عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق: ج2، ص187.

[3] كامل الزيارات: ص63.

[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج24، ص93.  

[5] النساء: 77.

[6] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج44، ص217.

[7] المناقب، ابن شهرآشوب: ج4، ص84.

[8] الصافات: 88 و89.

[9] مرآة العقول، العلامة المجلسي: ج5، ص366.