كل حدث أو موقف يمر بالمسلمين كان يسجل ومضة وإنارة في طريق الهدى، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) يرسم منه بريقاً خاصاً في صفحات التأريخ، تنادي على عقول البشر بالتحقيق والتحليل، حتى ينجلي كل باطل، ويتجلّى الحقّ واضحاً ساطعاً، ولو كره الكافرون.
أول نقطة ضوء أضاءها رسول الله(صلى الله عليه وآله) في يوم الخندق التي حدثت في الثالث من شهر شوال سنة 5 هجرية، عندما طهّر الإسلام من مرض القومية الخبيث، في تلك المعركة التي وصف فيها(صلى الله عليه وآله) مبارزة أمير المؤمنين(عليه السلام):«برز الإسلام كلّه إلى الكفر كلّه» المناقب، الخوارزمي: ص64.
نعم، في هذه المعركة المهمة، يرجّح النبي(صلى الله عليه وآله) رأي سلمان الفارسي، في خطته لمواجهة العدو، وحفظ الدين من قوته وخطره، فيحفر الخندق حول المدينة، ويقي الله المسلمين شر المشركين.
وجاء دور أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي كان دائماً تقام به موازين الدين، ويزيّن الكون بالمبادئ الإسلامية ذات القيم الإنسانية بمضامينها العالية، ليضيء نقطة الضوء الثانية في الفصل الأخير من المعركة عندما جسّد معنى الإخلاص لله الواحد القهار، وأوقف النفس له تعالى فما من عملٍ ظاهرٍ أو قصدٍ باطنٍ إلا وكان نظره فيه إلى الله تعالى، فإنه(عليه السلام) لما جثى على صدر ابن ود عندما سقط مجروحاً من فرسه، عرض أمير المؤمنين(عليه السلام) عليه الإسلام، فأبى، وتصرف تصرفاً مشيناً مع الإمام(عليه السلام)، فتركه(عليه السلام) برهة ثم عاد فقتله، تركه البرهة القليلة من الزمن، تخلص بها(عليه السلام) من رغبات النفس وميولها نحو الدنيا، وسقى بها شجرة الإخلاص في بستان النبوة، فقال(عليه السلام): إنما أردت أن أقتله لله لا لنفسي.
مجلة ولاء الشباب العدد (38)