بما أن القرآن الكريم فيه المتشابه والمجمل والكنايات وغيرها من أساليب التعبير عن المعنى فإننا لا يمكن أن نحتّم أن تكون أدلتنا القرآنية على عقائدنا هي أدلّة صريحة بعبارات لا تحتمل أكثر من معنى واحد، لكن الغير يريد أن يحمّل القرآن الكريم ذلك ولا يريد أن يشرك العقل مع القرآن في دليل أو معنى يطلبه، بل يجمد على أن تكون الدلالة المطابقية الصريحة هي المرادة من كل ما بين الدفتين من القرآن لذا وقعوا في التجسيم ونسبة ما لا يصح على الله تعالى إليه.
ومن هذا القبيل يقول هؤلاء: لماذا لم يذكر اسم علي (عليه السلام) في القرآن وأنه هو الإمام والخليفة وجميع لوازم الإمامة والخلافة، مع أن القرآن ذكر اسم (زيد) Pفَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًاO سورة الأحزاب: الأية 37.
الجواب:
إن عدم ذكر إسم الإمام عليٍّ (عليه السلام) هو كغيره من الأنبياء والمرسلين الذين ذكرهم القرآن باللقب ولم يصرح بأسمائهم فها هو الرسول الخضر (عليه السلام) لم تشر آية واحدة على التصريح بإسمه بل كل الآيات الحاكية عنه تشير إليه باللقب كقوله تعالى: Pعبداً من عبادنا آتيناه رحمةً من عندناO.
ولا يخفى عظمة الخضر (عليه السلام) عند الله تعالى وما أولاه القرآن به من التقدير والتبجيل بحيث أمر الله تعالى نبيَّه موسى (عليه السلام) بالإنقياد إليه، فليس كل من لم يذكر في القرآن يقتضي عدم صلاحه أو عدم منصوبيته من عند الله تعالى، فالعبد الصالح الخضر مبعوث من قبل الله تعالى ولم يذكر اسمه في القرآن وذلك للتدليل على عظمته وعلو قدره عند الله تعالى، فالتشريف باللقب أفضل من التصريح بالإسم، ولعلَّ الحكمة في عدم ذكر الإسم زيادةً على التشريف والتفضيل كما أشرنا لعلَّه للفتنة والإمتحان وهو الظاهر الأقوى، إذ لو ذكر بإسمه لما تم إمتحان الخلق بولايته والإعتقاد به كمنصوبٍ من عند الله تعالى بمحكم الآيات النازلة بحقه سوآء في آيات الإطاعة أم في آيات التنويه والتطهير والتقديس...بالإضافة إلى تنويه النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) بشخص مولانا إمام المتقين(صلى الله عليه وآله).
وأما دعوى بأن الله تعالى ذكر زيداً بمسألة فقهية مما يستلزم أفضليتها على المسألة العقائدية فهي دعوى عجيبة غريبة لأن الكثير من المسائل الفقهية التفصيلية لم تذكر في القرآن بتفاصيلها المعروفة مع كونها أفضل من مسألة تحريم زواج المربي بزوجة الربيب، كما أن هناك الكثير من المسائل العقدية التفصيلية لم تذكر بتفاصيلها في القرآن الكريم مع كونها أفضل من المسائل الفقهية بالإتفاق، وهل هناك أفضل من آية التطهير الحاكية عن طهارة أهل البيت (عليهم السلام) والتنويه بفضلهم؟!وهل هناك أفضل من آيتي البلاغ والإكمال النازلتين في غدير خم؟ وهل هناك أفضل من آية الإطاعة الدالة على إطاعة أولي الأمر المعصومين (عليهم السلام)..؟ وهل هناك أفضل من تنويه النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)بأمير المؤمنين وأهل بيته الطيبين الطاهرين (عليهم السلام)..؟! وإذا لم تكفِ هذا المستشكل كلّ هذه الأفضليات فماذا يكفيه ويقنعه يا تُرى؟! وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر القمر: الأية 2.
المصدر: مجلة اليقين، العدد (9)، الصفحة (10).