مسجد الحنانة موضع رأس الحسين (عليه السلام)

  مسجد الحنانة موضع رأس الحسين (عليه السلام)

من المساجد والمواضع التاريخية المهمة في النجف الأشرف مسجد الحنانة، وهو من المساجد المعظمة، التي يتبرك به ويقصده المجاورون والزائرون، وهو أحد الأماكن الثلاثة التي صلى فيها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).

يعود تاريخه لزمان الإمام علي (عليه السلام)، كان المكان قديماً - قبل أن يصير مسجداً - عبارة عن موضع من الأرض فيه دعامة شاخصة، وكأنها لبعض القبور أو ما شابه، وعندما استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وجيء به من الكوفة إلى محل دفنه الشريف مر بهذا الشاخص فانحنى هذا الشاخص إحلالاً وإكباراً لهذا السرير المقدس الذي يحمل جسد أمير المؤمنين الطاهر، وعرف بعد ذلك بالقائم المائل، أو القائم المنحني، وبالعَلم، كما في مصباح الزائر لابن طاووس ، وقد كانت هذه الدعامة موجودة مدة مديدة من الزمن ولكن الظاهر أن الإهمال وعدم الاعتناء بهكذا كرامة مهمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) أدى إلى اندثارها للأسف.

اكتسب هذا المكان صفة المسجدية بعد أن صار موضعاً لرأس الحسين (عليه السلام)، ومحلاً لنزول سبايا كرائم الوصي (عليه السلام)، وعيالات الحسين (عليه السلام) بعد واقعة كربلاء في عاشوراء سنة 61 هـ، والظاهر أن المكان بعد أن حدثت فيه كرامة لأمير المؤمنين (عليه السلام) صار مزاراً أو خاناً للمسافرين أو ما شابه ذلك، حيث آوى العيال السبايا أثناء مرورهم به بعد أن وضع فيه رأس الحسين (عليه السلام).

وورد في رواية أن حملة الرؤوس عبثوا برأس الحسين (عليه السلام) ورؤوس أهل بيته وأصحابه البررة عندما وصلوا إلى هذا المكان - مسجد الحنانة - فحنت الأرض جزعاً وسمع صوت وحنين، وحن السبايا أيضاً جزعاً ومأساة مما صنع بالرؤوس، ومن هنا سميت هذه البقعة بـ(الحنانة)، ثم حملت الرؤوس على أطراف الرماح أمام السبايا إلى الكوفة وطيف بها سكك الكوفة وشوارعها.

وهو من المساجد الكبيرة في النجف الأشرف، بني له في تسعينات القرن العشرين جدار خارجي يضم في داخله بئراً يسمى ببئر أمير المؤمنين (عليه السلام) الواقع بالقرب منه.

ويقع مسجد الحنانة الآن في المنطقة المعروفة بحي الحنانة، وهو من الأحياء القديمة نسباً في النجف الأشرف حيث استحدث في الخمسينيات من القرن الماضي، وقد حدد المؤرخون موقع المسجد سابقاً بقولهم: موقعه شمال غربي الكوفة، يمين الطريق المتجهة إلى النجف، وبالقرب منه الثوية، وهي مدفن لكثير من خواص أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبرزهم كميل بن زياد النخعي (رضي الله عنه) . وتبلغ مساحة المسجد حالياً 7400 متراً مربعاً.

قال الشاعر:

هو مسجد بالصالحات مشيد             وعلى الهدى قد أسسوا بنيانه

هو مشهد رأس الحسين به ثوى         فسما وشيد بالهدى أركانه

وقد انحنى متواضعاً للمرتضى            إذ مر فيه معظماً جثمانه

أرض الثوية هذه أرخ فذا                   رأس الحسين بمسجد الحنانة

ولهذا المسجد الكثير من الكرامات في قضاء الحوائج، ومن قصده بنية صادقة تقرباً للإمام الحسين (عليه السلام) لا يرجع إلا بقضاء حاجته، وعند الدخول إليه يشعرك المسجد بالمصيبة التي حلت على الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) وتدور في مخيلتك تلك الذكريات.. ذكريات سبايا كربلاء، وفقدان الأهل والأحبة، والمسير العنيف، وضرب المتون، وصراخ الأطفال...

وليس هذا المسجد الوحيد الذي أثيم ببركة رأس الحسين (عليه السلام)، ومروره بهذه المنطقة، بل هناك مساجد مختلفة أقيمت في المناطق التي مر بها هذا الرأس المبارك، فهناك مسجد رأس الحسين (عليه السلام) في كربلاء المقدسة، وكذلك (مشهد النقطة) في حلب، ومقام رأس الحسين (عليه السلام) في دمشق، ومصر إلى غيرها من الآثار الإسلامية التي أقيمت، وكان سبب إقامتها من بركات الرأس الشريف.

مسجد الحنانة السامي علا       كاد بالفضل يضاهي المسجدين

جهلته الناس قدراً وهو في      قدره ضاهى السما والفرقدين

رفع الله تعـــــالى شأنــــه       فتعالى شأنه في النشأتين

كيف لا يرفعه الله عـــــلا        وبه قد وضعوا رأس الحسين

معنى الحنانة لغة:

يقول بن منظور: بفتح الحاء وتشديد النون مؤنث الحنان، وهو الذي يحن إلى الشيء، والحنة بالكسر، رقة القلب.

وأما تسمية «الحنانة» فهي كلمة مشتقة من الحنين، وذلك عندما مرت سبايا الإمام الحسين (عليه السلام) بموضع الثوية، إذ عبثوا برأسه الشريف ورؤوس أصحابه، فصدرت أصوات من الحنين جزعاً على ما حلّ بهم كما ذكرنا قبل قليل، فالكلمة عربية الاشتقاق أصيلة، وقد تأتي من تحنن عليه: أي ترحم، والحنان: الرحمة، أو أن الكلمة مشتقة من لفظة «حنا»، و «حنا» : دير نصراني قديم من أديرة الحيرة، كان في موضع المسجد عينه، وتطورت اللفظة من «حنا» إلى «حنانة» بمرور الزمن، ودير حنا قد بناه المنذر الأول بن النعمان الأول الذي حكم بين 418 - 462م، وكان ديراً عظيماً في أيامه.

الإمام الصادق (عليه السلام) ومسجد الحنانة:

حظي مسجد الحنانة بمزية أخرى، وهي ورود الإمام الصادق (عليه السلام) عليه والصلاة فيه فهو مقام من مقامات الإمام (عليه السلام)، فعن أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين، ثم تقدم فصلى ركعتين، ثم سار قليلاً فنزل فصلى ركعتين، ثم قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)
قلت: جعلت فداك والموضعين اللذين صليت فيهما؟ قال: موضع رأس
الحسين (عليه السلام) وموضع منزل القائم (عليه السلام).[1]

وعن المفضل بن عمر قال: جاز الصادق (عليه السلام) بالقائم المائل في طريق الغري، فصلى ركعتين، فقيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال: هذا موضع رأس جدي الحسين بن علي (عليه السلام)، وضعوه ها هنا لما توجهوا من كربلاء، ثم حملوه إلى عبيد الله بن زياد.

وروي أنه (عليه السلام) قال: أدع هنالك فقل: (اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي ولا يخفى عليك شيء من أمري وكيف يخفى عليك ما أنت مكونه وبارؤه، وقد جئتك مستشفعاً بنبيك نبي الرحمة ومتوسلاً بوصي رسولك، فأسألك بهما ثبات القدم والهدى والمغفرة في الدنيا والآخرة)[2].

قال الشيخ الطوسي في أماليه: سأل عبد الله بن مسكان الإمام الصادق (عليه السلام) عن القائم المائل في طريق الغرييتن فقال: (نعم إنه لما جاوز سرير أمير المؤمنين علي (عليه السلام) انحنى أسفاً وحزناً على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذلك سرير أربهة لما دخل عليه عبد المطلب انحنى ومال)[3].

وذكر المجلسي هذا الحديث ثم قال: رأيت بخط الشيخ محمد بن علي الجباعي نقلاً من خط الشهيد (قدس الله روحهما): ولعل موضع القائم المايل هو المسجد المعروف الآن بمسجد الحنانة قرب النجف، ولذا يصلي الناس فيه.

التصميم المعماري:

لم تشهد المعالم والآثار الإسلامية التي تخص أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم تاريخياً في تجاهلاً واضحاً ومقصوداً مثلما شهدته في الثلاثين سنة الأخيرة قبل سقوط النظام البائد، فقد حاول نظام الحكم المستبد إبقاء تلك البقاع المطهرة والمقامات المقدسة على حالها، دون أدنى رعاية أو ترميم، إلا ما تصدى إليه بعض المؤمنين بالتبرع ببناء هذه المراقد أو تشييد هذه المزارات دون أدنى علم من رجال السلطة، الذين كانوا يتربصون بمن يقوم بهذه الأعمال الخيرية، لطمس تلك المعالم ومن له صلة بها، ومع هذا الجهد من المؤمنين إلا أن معظم هذه العتبات والمساجد ظلت تعاني من عدم الاهتمام والإهمال، فقد تحولت جدرانها إلى مخابئ للحشرات، وسقوفها أصبحت لا تقوى حتى على مواجهة رياح شديدة أو مطر غزير.

وهذا الحال ينطبق على مسجد الحنانة، والذي هو من المساجد العظيمة التي لها ارتباط بذكريات مؤلمة قد تحدثنا عنها سابقاً.

وبعد سقوط النظام الصدامي البائد وبالتحديد في سنة 2003م باشرت الملاكات الهندسية في الوقف الشيعي بإعادة إعمار وتأهيل مسجد الحنانة، وتم البناء على مرحلتين شملت المرحلة الأولى بناء المسجد الذي يضم موضع الرأس الشريف، والمرحلة الثانية شملت السياج الخارجي والأرضية الخارجية.

تبلغ مساحة المسجد الكلية أكثر من 7000 م2 وتبلغ مساحة المصلى 3000م2 (للنساء والرجال) وله قبة زرقاء شامخة تناطح السحاب يبلغ قطرها (4م)، وأما المنارة فهي اسطوانية الشكل يبلغ ارتفاعها (30م).

وتم تأهيل البئر الذي حفره الإمام علي (عليه السلام) بطريقة حديثة من خلال توصيله بمضخة تعقيم وتحلية وتوزيعه على برادات المسجد للشرب والتبرك منه.

وللمسجد من الداخل بابان زينتا بالنقوش الكربلائية المطعمة بالمرمر الحديث ويعلو أحد البابين قوله تعالى: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً).

والمسجد الآن - بحمد الله - يقصده يومياً المئات من الزوار من جميع أنحاء العالم.

وفي الختام نشكر كل من فضيلة الشيخ حافظ صالح الدجيلي مسؤول الشؤون الفكرية والثقافية في المسجد، والأخ علاء الخاقاني الملاحظ في المسجد على المعلومات التي قدماها والمعونة التي أبدياها.

1

2

3

المصدر: بيوت المتقين (4) - شهر محرم 1435هـ

 


[1]     الكافي: ج4 ص571.

[2]     مستدرك الوسائل ج10، ص403.

[3]     الأمالي: ص683.