يذكر لنا التأريخ المتواتر أن معاوية كان باغياً على إمامه محارباً له، تسبب ـ كما رووا ـ في قتل سبعين ألفاً في صفين، خمسة وعشرين ألفاً من جيش علي (عليه السلام)، وخمسة وأربعين ألفاً من جيشه.
وكانت خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) شرعية بجميع المقاييس التي يحتاج إليها الخليفة لإثبات شرعيته، فالنبي (صلى الله عليه وآله) أخذ له البيعة من الناس يوم الغدير، وعمر بن الخطاب اضطر إلى أن يجعله في الشورى، وأجمع الناس عليه بعد قتل عثمان.
أما خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) فهي أولاً تنصيب من رسول الله(صلى الله عليه وآله) بقوله: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»[1]، ثم بوصية من أبيه الخليفة الشرعي.
ولكن معاوية قد بغى عليه، وحاربه، كما بغى على أبيه وحاربه، وأوغل في دماء صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وقتل حجر بن عدي صبراً، وعمار بن ياسر الذي ملئ إيماناً، والكثير من أعيان الصحابة، ومن الأبرار الأخيار.
وكانت أغلب جرائم القتل التي ارتكبها بآلة الجواسيس والعيون المأجورة التي باعت حظها بالثمن الأوكس، ولم يتورّع من قتل عظماء الصحابة وهو بمثابة إنذار إلى الإمام الحسن (عليه السلام) أنه سيخسر الحرب إذا ما دخل فيها.
لذا فإن المعاهدة التي قَبِل بها الإمام (عليه السلام) تدل على مدى إيغال معاوية في البعد عن الله، وعن التزام أحكامه، وإنها إنجاز مهم في تأريخ الشيعة.
فلو أن رجلاً يقول لك: إما أن تعطيني مفاتيح الكعبة، وإما أن أهدم الكعبة، وأهلكك وأقتلك، وهو قادر على فعل ذلك، وقد أثبتت لك جرائمه، وأفاعيله أنه سيفعل ذلك بلا شك.. هل تعطيه المفاتيح، أم ترضى بأن ينفذ تهديداته؟
وإذا قال لك: إما أن تعطيني الإمارة على هذا الجمع، وإما أن اقتل هذا الجمع كله، فهل تقول له: بل اقتل الجمع كله، لأن إمارتك عليهم حرام؟!
كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد عقد صلحاً مع المشركين في الحديبية، فهل أصبح مشركوا مكة مؤمنين.
كما أن هذه المعاهدة بين الطرفين لا تكسب معاوية البراءة من اغتصاب المنصب ولا تمنحه الشرعية في الحكم، إذ لا فرق بين اغتصاب الحكم بقوة السيف مباشرة، وبين إجبار الإمام الشرعي الذي نصبه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واستخلفه الإمام الشرعي، وبايعه الناس على التنازل تحت طائلة التهديد بقتله، وإبادة شيعته لو لم يفعل.
ولا فرق في حسن وصحة ما قام به الإمام (عليه السلام) بين أن يكون معاوية مدعياً للإسلام أو مظهراً للكفر، وحتى لو كان معلناً بالكفر، فإن ذلك لا يخلُّ بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) الذي تعرض للتهديد والقهر والإجبار على التنازل عن الأمر، وقد كان هذا هو حال الأنبياء الذين كانوا مستبعدين عن الحكم، الذي استأثر به أعداؤهم لأنفسهم..
مجلة ولاء الشباب العدد (37)