الستر على المسلمين

انتشرت في الآونة الأخيرة حوادث غريبة عن المجتمع العراقي، وهي إزهاق الروح، فهذا يقفز من طابق مرتفع خوفاً من الفضيحة، وذلك يقتل ابنته حتى لا تفضح فعلته الدنيئة، وهذا يقتل أخيه خوفاً من أن يقول لأُمّه وأبيه أنّه شاهده في وضع مخلٍّ، وكلّ هذه الجرائم والحوادث ما كانت لتقع لو تخلَّق أفراد المجتمع بخلق الستر على العاصي ومنحه الفرصة لكي يتوب ويرجع إلى الله ويستقيم ويسترد رشده.

المراد بالستر سواء كان في اللغة أو الاصطلاح فهو لا يخرج عن معنى التغطية، ومنه قوله تعالى: (حجاباً مستوراً)[1] يعنى حجاباً على حجاب، فالأول مستور بالثاني، ومعنى الستر شرعاً الترك للقبائح، وستر العيوب والفضائح.

إنّ المسلم في الحياة مُعرَّض للخطأ والزلل، فلو فُضح في كلّ خطيئة لاستمرأ الخطأ وزاد فجوره، وقلّ حياؤه، ولهذا كان من ستر الله للعبد أنّه إذا فعل المعصية واسترجع، تاب الله عليه وستره في الدنيا، وذكّره بها يوم القيامة، ثمّ يعفو عنه.

وإنّ ستر المسلم لغيره إذا أذنب علامة على محبته له؛ إذا ستر عيبه وأراد منه التوبة، وأعرض عن فضيحته، وعلى العكس فمَن فضح أخاه المسلم دلّ على كرهه له وإرادة السوء به، والتشهير به، ومن ثَمَّ انتشرت البغضاء بين الناس.

لا تفضح غيرك ولا نفسك فالساتر لعيب غيره يشعر بالسعادة والطمأنينة؛ لأنّه عمل عملا حسناً، وستر مسلماً، ويتذوّق طعم الإيمان عندما يستشعر ذلك في قول الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن ستر على أخيه عورةً ستر الله عورته يوم القيامة»[2]. وقوله أيضاً: «ومَن ستر على مؤمن عورةً يخافها ستر الله عليه سبعين عورةً من عورات الدنيا والآخرة»[3].

بل إنّ الساتر لِعيْب غيره يكتم سوءاً أن ينتشر، وفي انتشاره إعانة على فشو المنكر وتقوية لقلوب أهل المعاصي، وتقوية للشيطان على العاصي، وفيه دخول الفاضح لغيره في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَالله يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[4] وعلى المسلم أن يستر نفسه، فإذا وقع في ذنب وستره الله أن لا يفضح نفسه، فيهتك ستر الله عليه، بل عليه أن يتوب ويتم ستر الله عليه. إنّ الواجب على المسلم أن يحزن عندما يرى أخاه قد وقع في معصية، وأن يسعى في ستره ونصحه.

 يروى أنّه في عهد سيّدنا موسى (عليه السلام) جفَّ المطر وطلب منه قومه أن يدعو ربَّه بالغيث، وينزل عليهم المطر، فصعد سيّدنا موسى الجبل، ودعا ربّه بأن ينزل عليهم المطر، فقال له ربَّه عزّ وجلّ: يا موسى، كيف أنزل المطر وبينكم عاص؟ فرجع موسى إلى قومه وبلَّغهم بأنّ بينهم عاصياً، ولم ينزل الله المطر إلّا إذا خرج، فلم يخرج أحد، ثمّ أنزل الله المطر، فصعد موسى الجبل وقال لربّه: يا ربَّ جمعت القوم وأبلغتهم بأنّ بيننا عاصياً، فليخرج، ولم يخرج أحد، وقد أنزلت المطر يا ربِّ، فقال سبحانه وتعالى: يا موسى أنّى أنزلت المطر بعد ما تاب العاصي توبة نصوحة، فقال موسى لربّه من هو يا ربِّ حتى نعرفه؟ قال الله عزَّ وجلَّ لموسى: يا موسى سترته وهو عاصٍ فكيف لا أستره وقد تاب وعاد إليّ[5].

لهذا فإنّ الستر صفة عظيمة ربانية اتصف الله (عزَّ وجلَّ) بها، وحثّ الخلق عليها، فبها تشرق شمس المعروف، وعن طريق هذا الخلق تفتح أبواب التوبة أمام العاصين، ويسود الإخاء، وينتشر حسن الظنّ بالآخرين.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (64)

 


[1] الإسراء: آية 45.

[2]  المقنع، الصدوق: ص299.

[3] روضة المتقين، محمد تقي المجلسي: ج9، ص406.

[4]النور: آية 19.

[5] ينظر: كتاب التوّابين، ابن قدامة: ص115.