الشيخ المفيد وظلامة الزهراء (عليها السلام)

ظلامة الزهراء (عليها السلام) -إجمالاً- هي من الثوابت التأريخية والعقائدية عند الشيعة، بل تفاصيل ما جرى من الظلم والتعدِّي على مقام الزهراء(عليها السلام) وشهادتها بعد ذلك هو ثابت بالصحيح أيضاً، ولا يخلُ كتاب شيعي في سيرتها(عليها السلام) إلّا وذكر ذلك، وهو من اجماعات علمائهم.

وفي الآونة الأخيرة اُتُّهم الشيخ المفيد(رحمه الله) أنّه لا يقول بتلك المظلومية؛ لحديث ذكره في أحد كتبه، ولو تأمّلنا قليلاً -وكما سيتضح- فإنّنا نجد أنّها تهمة باطلة نسبت للشيخ المفيد(رحمه الله) خاصّة، ولنا في هذه المقالة مقامان:

المقام الأول: سنذكر فيه أحاديث للشيخ المفيد(رحمه الله)، الذي هو ركن من أركان التشيع في وقته يذكر فيها ظلامة مولاتنا الزهراء(عليها السلام) وما لاقت من الصحابة آنذاك.

المقام الثاني: سنذكر الرواية التي اِتَّهمه بها البعض وكذبوا عليه.

1- روى الشيخ المفيد بسنده عن مروان بن عثمان قال: «لما بايع الناس أبا بكر دخل علي(عليه السلام)، والزبير، والمقداد بيت فاطمة(عليها السلام)، وأبوا أن يخرجوا، فقال عمر بن الخطاب: أضرموا عليهم البيت ناراً ...»[1].

2- وقال أيضاً: «ولما اجتمع مَن اجتمع في دار فاطمة من بني هاشم وغيرهم؛ للتحيُّز عن أبي بكر وإظهار الخلاف، أنفذ عمر بن الخطاب قنفذاً وقال له: أخرج مَن في البيت، فإن خرجوا وإلّا فاجمع الأحطاب على بابه، وأعلمهم أنّهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم ناراً، ثمّ قام بنفسه في جماعة منهم المغيرة بن شعبة الثقفي، وسالم مولى حذيفة، حتى صاروا إلى باب عليّ، فنادى: يا فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخرجي مَن اعتصم ببيتك ليبايع ويدخل فيما دخل فيه المسلمون، وإلّا والله أضرمت عليهم ناراً، في حديث مشهور»[2].

3- عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: ...قال: «فدعا بكتاب فكتبه لها بردّ فدك، فقال: فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟ فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك. فقال: هلميه إلي. فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله، وكانت حاملة بابن اسمه المحسن، فأسقطت المحسن من بطنها، ثمّ لطمها، فكأنّي أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت-أي كسرت-ثمّ أخذ الكتاب فخرقه، فمضت، ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة مما ضربها عمر، ثمّ قُبضت»[3].

4- عن الإمام الصادق (عليه السلام): «... وقاتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقاتل فاطمة (عليها السلام)، وقاتل المحسن، وقاتل الحسن والحسين (عليهما السلام)»[4].

فالشيخ المفيد(رحمه الله) إذاً، رأيه كغيره من علمائنا الكبار، يعتقد وينقل حصول الهجوم على دار الزهراء(عليها السلام)، والتهديد بإحراق دارها، ورفسها الرجل وأسقط جنينها، وأنّها(عليها السلام) خرجت من الدنيا مقتولة، هي وابنها المُحسن(عليه السلام)، كيف وهو يروي هذه الزيارة: «السلام عليك يا رسول الله، السلام على ابنتك الصديقة الطاهرة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله، السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة، لعن الله مَن ظلمك، ومنعك حقّك، ودفعك عن إرثك، ولعن الله مَن كذّبك، وأعنتك، وغصصك بريقك، وأدخل الذلّ بيتك»[5].

وأمّا المقام الثاني: الكلام الذي ذكره الشيخ المفيد وقالوا عنه أنّه ينفي ظلامة الزهراء (عليها السلام) جاء في كتاب: (الإرشاد: ج 1، ص 355)، حيث ننقل لكم نص ما ورد فيه: (وفي الشيعة مَن يذكر: أنّ فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) أسقطت بعد النبي(صلى الله عليه وآله) ولداً ذكراً، كان سمّاه رسول الله(عليه السلام) محسناً، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين(عليه السلام) ثمانية وعشرون).

فهذا الكلام لا يدلّ على أنّ الشيخ المفيد(قدس سره) ينفي ظلامة الزهراء(عليها السلام) لوجوه:

أولاً: إنّ كلمة (الشيعة) تطلق في زمن الشيخ المفيد (رحمه الله) على الإسماعيلية، والزيدية، والمعتزلة، والإمامية، وغيرهم، وهو يُريد أن يقول: إنّ الطائفة التي تقول بإسقاط المُحسن، وكسر الضلع، وضرب الزهراء هم الإمامية الاثني عشرية، فهو يُثبت الحقيقة ولا ينفيها.

ثانياً: إنّ الشيخ المفيد(رحمه الله) لما لم يذكر المظلومية في كتاب الإرشاد، فإنّ هذا لا يدلّ على إنكاره لذلك، كما اِتَّهموه به، فإنّه لا يجب على كلّ مُؤلِّف أن يذكر في جميع كتبه جميع معتقداته وآرائه، بل هو يذكر ما يناسب غاية تأليف الكتاب، وما يرتبط بذلك الغرض، وهو عندما ذكر الرواية كان في غرض ذكر أولاد أمير المؤمنين(عليه السلام) وأنّ من المسلمين مَن أنكر وجود ابن اسمه المُحسن، ومنهم من أثبته وهم الشيعة الإمامية. وذلك واضح، ولا يخفى على متتبع.

مجلة اليقين العدد (65)

 


[1] الأمالي، الشيخ المفيد: ص49.

[2] الجمل، الشيخ المفيد: ص57.

[3] الاختصاص، الشيخ المفيد: ص185.

[4] الاختصاص، الشيخ المفيد: ص344.

[5] المقنعة، المفيد: ص459.