تلازم العلم والعمل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.

 

بِمجردِ دُخولِ شَهر رجبٍ الأَصبِّ، والإِعلان عن ثبوت هلاله، حتّى يؤذنَ فيه بدخول الأَشهر العبادية الثلاثة الخاصة (شهرِ رَجَب الأَصبّ، وشَهْر شعبان المعظم، وشهر رمضان المبارك)، وتطلق صفارة جديدة في مارثون جديد من السباقات العبادية المباركة، عندها تبدأُ الأَجواءُ العبادية بالتغيُّر على عموم المؤمنين، ويبدأُ طقس الحالة الروحية والنفسية بالاعتدال، لأَنهُ سباقٌ يبرز فيه البُعد العبادي أَكثر، فيفوز فيه المتعبدون بمقامات لا تُعطى للمؤمنين في غيرها من الليالي والأَيام، ويُحْبَوْن بِحَبَوات لا يُخَصُّ بها إِلا المتعبدون في الأَشهُرِ الثلاثة.

لكنَّ البُعدَ العبادي هذا لا يَكفي دون ملازمتهِ ببعدٍ آخرٍ مُهمٍّ، وهو البُعدُ العَقائِدي، فالعِبادةُ والطَّاعةُ ما لم تكن عن وعيٍّ عَقَديٍّ صحيحٍ فإِنها تكون هَشّةً خاويةً، ولا تُعطي ثِمارَها المتوخاة، فقد وَرد عن إمامِنا الصَّادق(عليه السلام): أَنهُ قال: «لا يَقبلُ اللهُ عملاً إِلاّ بِمعرفةٍ، ولا مَعْرِفةَ إِلاّ بعملٍ، فمَنْ عَرفَ دَلّتهُ المَعرفةُ إِلى العَمَل، وَمَنْ لَمْ يَعْملْ فَلا مَعرفةَ لَهُ، أَلا إِن الإِيمانَ بعضهُ مِنْ بَعضٍ» الكافي: ج1، ص44، بل ربما يكون إِفساده أَكثر من إِصلاحهِ، قال إمامنا الصادق(عليه السلام) قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «مَنْ عَمِلَ على غَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثرَ مِمّا يُصْلِحُ»[1].

والعَكسُ هو الصَّحيحُ أَيضاً، أَي أَنَّ العقيدةَ ما لم تدفع الإِنسانَ إِلى العَمَلِ فلا فائِدةَ منها أَيضاً، فقد جاءَ عن الإِمام أَميرِ المؤمنينَ(عليه السلام) أيضاً إنه قال: «العِلمُ مَقْرونٌ بالعَمَلِ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، والعِلْمُ يَهْتفُ بِالعَمَلِ فإِنْ أَجابَهُ وإِلاّ ارْتَحلَ عَنْهُ»[2].

إِذنْ: يجب على كلٍّ من العالِم والعابدِ أَن يَحفظا كِلا المَسيرتينِ، العِلمية والعَملية، كيْ تكتملَ الصُّورةُ وتَتَكاملَ، وإِلا نَخْشى أَن نكونَ مِمّن قالَ اللهُ تَعالى فيهِ: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَيَوٰةِ الدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا)[3].

مجلة اليقين العدد (27)

 


[1] الكافي: ج1، ص44.

[2] نهج البلاغة: قصار الحكم، 366.

[3] الكهف: 104.