نقرأ في بعض مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع العقائدية أسئلة واستفهامات عن موضوع قدرة الله تعالى، هل هي مطلقة واسعة بحيث تشمل حتى القدرة على فعل القبيح مثل الظلم؟ أم هي خاصة بالخير وحسن الأفعال؟
ووضعوا لوازم للقولين: أما القول الأول فلازمه أن الله تعالى يمكن أن يفعل الظلم مادام لا مانع منه، وأما الثاني: فلازمه أن الله عاجز عن بعض الأفعال.
الجواب:
(ذهبت الإمامية إلى أنّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب، بل جميع أفعاله حكمة وصواب، ليس فيها ظلم ولا جور ولا عدوان ولا كذب ولا فاحشة لأنّ الله تعالى غنيٌّ عن القبيح، عالم بقبح القبائح لأنّه عالم بكلّ المعلومات، وعالم بغناه عنه، وكلّ من كان كذلك فإنّه يستحيل عليه صدور القبيح عنه، والضرورة قاضية بذلك، ومن فعل القبيح اسـتحقّ الذمّ واللوم.
وأيضاً: الله تعالى قادر، والقادر إنّما يفعل بواسطة الداعي، والداعي إمّا داعي الحاجة، أو داعي الجهل، أو داعي الحكمة.
أمّا داعي الحاجة، فقد يكون العالِم بقبح القبيح محتاجاً إليه، فيصدر عنه [دفعاً لحاجته].
وأمّا داعي الجهل، فبأن يكون القادر عليه جاهلا بقبحه، فيصحّ صدوره عنه.
وأمّا داعي الحكمة، فبأن يكون الفعل حسناً، فيفعله لدعوة الداعي إليه.
والتقدير أنّ الفعل قبـيح، فانتفت هذه الدواعي فيستحيل القبح منه تعالى)[1].
وبعبارة أخرى، إن القبيح عندما يصدر من الفاعل إما أن يكن ذلك الفاعل محتاجاً لذلك القبيح، أو يكون جاهلاً بقبح القبيح، أو يكون عن عبث بحيث يعلم أن هذا الفعل قبيح وهو غير محتاج له، لكنه مع ذلك يفعله، والله تعالى ليس بمحتاج وليس جاهلاً، لأن الحاجة والجهل تستدعي نقص المحتاج والجاهل، والنقص محال عليه تعالى.
كما أنه تعالى لا يتّصف بالعبث لمخالفة العبث للحكمة التي تقتضي فعل الأفعال عن داعٍ حسن.
إذاً فهو تعالى القادر المطلق، وأي كلام خلاف ذلك معناه نسبة العجز له جل وعلا، نعم إعمال تلك القدرة في تحقق المقدور يتعلق بأمور أخرى نذكر منها:
أولاً: المشيئة، فإن الله تعالى (يَمْلِكُ الحَاجَاتِ والأشياء وَهِيَ مُسْتَجِيْبَةٌ لِمَشِيِّتهِ وَمُسْرِعَةٌ إلى إرَادَتِهِ)، فكل شيء هو خاضع لمشيئة الباري عز وجل، إيجاداً وفعلاً في جميع الظروف، فمثلاً خلق ولد لزيد، فإنه مع تحقق جميع شروط انعقاد النطفة من الزواج وعدم المرض وأي مانع آخر، فإذا لم يشأ تعالى أن يكون لزيد ولداً، فإنه لا يكون أبداً.
ثانياً: المصلحة، فإن إيجاد الفعل من قبل الله تعالى لابد أن يكون الداعي إليه مصلحة معينه، لأنه إذا لم تكن هناك مصلحة إما أن تكون هناك مفسدة، فيلزم من ذلك الفعل العبث، وهو مخالف لمقتضى الحكمة، أو يلزم الجهل أو الاحتياج، وكل ذلك محال على الله تعالى كما تقدم.
ثالثاً: قابلية المقدور على الوجود، فإذا كان المقدور من الممتنعات العقلية، مثل شريك الباري، والجمع بين النقيضين، وغيرها، فإنه لا تتعلق بها قدرة الله تعالى لا من باب العجز بل من باب عدم قابلية هذه الأشياء على الوجود.
وبعبارة أخرى، كل شيء لأن يكون موجوداً لابدّ من وجود مقتضٍ لذلك الوجود، وعدم المانع من وجوده، بهذه الصورة تتعلق به قدرة الله تعالى، أما إذا لم يكن هناك مقتضٍ لوجوده أو كان هناك مانع من وجوده فإنه لا تتعلق به القدرة الإلهية لا للعجز بل لامتناع وجوده كما قلنا.
والفعل القبيح لا تتعلق به القدرة من الناحيتين، من ناحية عدم وجود مقتضٍ لوجوده، ولو كان لكان خلاف الحكمة، ومن ناحية وجود مانع من فعله وهو لزوم نسبة العبث أو النقص لله تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
والخلاصة:
عدم تحقّق القبيح منه تعالى ليس من أجل عدم القدرة والعجز، بل لجهة أخرى، وهي امتناع القبيح عليه تعالى؛ وذلك لأنّ صدوره عنه ووقوعه منه يتوقّف على الإرادة، وإرادته تعالى لأمر إنّما يكون لوجود حكمةٍ ومصلحة مقتضيةٍ في الشيء، ولا مصلحة في القبيح تدعو إلى فعله، فلا يكون له تعالى داعٍ إلى فعله.
ثمّ إنّ تحقّق القبيح إنّما يكون ممّن له حاجةٌ إليه أو رغبةٌ فيه، وعلم الله تعالى بما فيه من القبح والمفسدة صارف له تعالى عن الإقدام عليه، وإذا لم يكن للفاعل داعٍ إلى الفعل لم يصدر منه، كما إذا كان له صارفٌ عنه امتنع صدوره منه.
مجلة ولاء الشباب العدد (46)