روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وَمَنْ عَرَفَ إمامَهُ ثُمَّ ماتَ قَبْلَ أَنْ یَقُوْمَ صاحِبُ هَذا الأمرِ کانَ بِمَنزِلَةِ مَنْ کانَ قاعِداً فِي عَسْکَرِهِ، لا بَل بِمَنزِلَةِ مَنْ قَعَدَ تَحْتَ لِوائِهِ»[1].
وفي حديث آخر أيضاً ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) يحثّنا فيه أن ندعو بدعاء جاء في بعض فقراته: «اللهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَك فَإِنَّك إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَك ضَلَلْتُ عَنْ دِینِي»[2].
وجاء عن إمامنا الحسن العسكري عن آبائه (عليهم السلام): مَن ماتَ ولَم يَعرِف إمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً»[3].
هذه الروايات وما على منوالها يحثنا فيها أئمتنا (عليهم السلام) على معرفة الإمام، ويذكر لنا الإمام (عليه السلام) في بعضها منزلة من عرف إمامه، وهو في عصرنا الإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وأن هذا العارف يكون (بِمَنزِلَةِ مَنْ قَعَدَ تَحْتَ لِوائِهِ)، فما مقدار أو نوع هذه المعرفة لكي تقترن بمثل هذه المنزلة؟
وما كيفية هذه المعرفة حيث ينسب إلى الجاهلية المسلم الذي لم يتلبس بها؟
هل هي تلك المعرفة الإجمالية العامة غير الشاملة لتفاصيل الأمر؟
ربما أكثر الناس لا تعيش حقيقة هذه المعرفة التي يذكرها الأئمة (عليهم السلام) المرتبطة بوجوده المبارك، وغالباً ما يُعرف بذكر اسمه في دعاء أو زيارة، عند تعداد أسماء الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
وغير ذلك من الناس حتى من يعتقد في نفسه أنه يعرف إمام زمانه، فإنه عندما يتابع الروايات والتفاصيل التي ذكرها العلماء يجد أن معرفته المزعومة غير كافية، وأنه يحتاج إلى معرفة أكثر تنقله من تصوره السابق إلى يقين تام أنه من مصاديق أحاديث الأئمة (عليهم السلام) في هذا الأمر.
كيف والميتة الجاهلية هي مصير غير العارف؟ إنه لأمر عظيم، ليس على نحو الاسم والذكر اللفظي.
إذاً، ماهي تلك المعرفة؟
ما هو طريق تلك المعرفة؟
والجواب: في البداية لا يمكن أن تتحدد هذه المعرفة بقدرات الفرد الشخصية لتتفوت من شخص لآخر، بل هناك قدر متيقن لا ينبغي نقصانه أو التغاضي عنه لسبب شخصي، وسنذكر ما ينبغي معرفته عن الإمام بالمقدار الذي يمكن أن يكون مصداقاً للمعرفة المذكورة في روايات أئمتنا (عليهم السلام):
أولاً: معرفة النص على إمامته من النبي (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام) والروايات في ذلك كثيرة جداً، وقد أكدت على وقد أكدت مضامينها على أنه الإمام المفترض الطاعة.
ثانياً: معرفة جواب الإشكاليات والجدليات المهمة التي يثيرها أعداء الأئمة وأعداء شيعتهم، مثل إشكالية طول العمر، وإشكالية الانتفاع بالإمام حال الغيبة، وبعض إشكاليات عصر الظهور، وغيرها، حتى يتخلص المسلم من الشكوك التي تجعله متردداً في بعض معتقداته، ويحكم فكره وأفكاره نحو الاعتقاد الجازم بالإمام (عليه السلام).
ثالثاً: معرفة علامات الظهور، وقد ندب إليها الإمام الصادق (عليه السلام): «اعْرِفِ الْعَلَامَةَ؛ فَإِذَا عَرَفْتَهُ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ؛ إِنَّ الله ـ عَزَّ وجَلَّ ـ يَقُولُ: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) فَمَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ، كَانَ كَمَنْ كَانَ فِي فُسْطَاطِ الْمُنْتَظَر (عليه السلام)»[4].
إن في معرفة علامات الظهور ثمرة مهمة في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) من ناحيتين:
الأولى: تحصين الفرد والمجتمع من الادعاءات الباطلة من قبل الفرق الضالة التي تثير البلبلة في كل عصر تقريباً.
الثانية: الانتماء والانضمام إلى أعوانه وجنوده (عليه السلام) لنصرته والقتال بين يديه لمن وفق لإدراك عصر ظهوره المبارك.
ثالثاً: معرفة الوظيفة في زمن الغيبة، هي معرفة الواجبات والعمل بها، وتشخيص المحرّمات والاجتناب عنها، تجاه النفس والآخرين، وبتعليم الجاهلين كلّ حسب قدرته ومعرفته، والسعي لكسب المزيد من المعرفة على هذا الطريق.
المصدر: مجلة اليقين العدد (64)