الخمس

كان من عادتنا كعائلة محبّة لبعضها البعض المكوث في البيت يوم الجمعة، حتى إذا أُذّن لصلاة الجمعة، هرعنا لها جميعاً، فكنت أتصيّد المعلومات من أبي في أوقات فراغه، فانتهزت الفرصة وسلّمت عليه، وهو جالس في صالة البيت، وكان بيدي كتاب الله الكريم، فردّ عليّ السلام وجلست قربه.

فقال أبي: أراك تحمل القرآن الكريم؟

فقلت له: نعم أبي، لأقرأ منه أمامك، وتُصحّح لي إن أخطأت.

فترك أبي كتاباً كان بين يديه، يسمى (الوسائل) وكان على غلافه اسم مؤلّفه (الحر العاملي)، وكان يقرأ فيه عن الخمس.

فقلت لأبي: بمناسبة ما تقرأ، هلا وضحت لي موضوع وحكم الخمس؟

فقال أبي: افتح كتاب الله الذي بين يديك وأقرأ الآية (41) من سورة الأنفال.

فقرأت قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بالله).

فقال أبي: قال تعالى: «واعلموا» فهل علمت بوجوب الخمس؟

قلت: نعم، ففيمن يجب الخمس؟

قال أبي: فيما يأتي:

1ـ ما يغنمه المسلمون في الحروب.

2ـ ما يستخرج من المعادن كالذهب والفضّة والنحاس والحديد والكبريت، وكذلك النفط والفحم الحجري، شرط أن تبلغ قيمته السوقية (15) مثقالاً صيرفياً من الذهب المسكوك، أو يزيد.‏

‏ 3ـ الكنوز، وشرط بلوغها (15) مثقالاً صيرفياً من الذهب أو أكثر، ومن الفضة (105) مثاقيل أو أكثر.

4ـ ما أُخرج بالغوص من البحار من لؤلؤ ومرجان وغيرهما اِذا بلغت قيمته ديناراً ذهبياً.‏

طبعا كلّ ذلك بعد استثناء تكاليف الاستخراج. ‏

‏ 5ـ المال الحلال المخلوط بالمال الحرام في بعض صوره.‏

‏ 6 ـ الأرباح السنوية المتحصّلة من تجارة أو صناعة أو هديّة أو زراعة أو حيازة أو أيِّ مكسب، بما في ذلك أجور العمل والرواتب.

فقلت لأبي: معنى هذا أن أرباح التجّار يجب أن تخمَّس؟

قال: نعم، فيحسب ما لديه من الأموال من بضاعة ونقد بعد مرور سنة من شروعه في التجارة، ويستثني منه: رأس مال ما اتّجر به، والمبالغ المصروفة، ومؤنته خلال السنة المنصرمة، ويخرج خمس الباقي.‏

فقلت لأبي:‏ ومن أي تاريخ أبدأ حساب الأرباح، حتى اِذا مر عليها عام وجب خمسها؟

قال: من أول ظهور الربح، وأما إذا كانت لك مهنة تعتاش منها فابدأ الحساب من تاريخ الشروع بالاكتساب.‏

‏‏فقلت لأبي: لو اشتريت ثياباً ومضى عليها عام ولم ألبسها، هل أدفع خمسها؟

قال: نعم، وكل ما زاد عن الحاجة ولم يستخدم.‏

فقلت لأبي:‏‏ أَأُقدّر قيمته يوم دفع الخمس أم حين الشراء؟

قال: بقيمته السوقية الحالية.‏

‏‏فقلت له: ولو لم أُخمّس حاجة وجب فيها الخمس؟

قال أبي: لا يحل لك التصرّف بها حتى تدفع خمسها، أو تتصرف بها بإجازة من الحاكم الشرعي.

‏فقلت لأبي: والمتوفى إذا كان في ذمته خمسٌ ولم يوصِ بإخراجه فما هي وظيفة الورثة؟

قال: يلزمهم إخراجه من أصل التركة، إلا إذا كان عاصياً لا يدفع الخمس، فلا يلزمهم.

فقلت لأبي: ‏‏وماذا يفعل كل من لم يخمّس لسنوات، ثم تنبّه إلى وجوب إخراج الخمس من هذه الأرباح؟

قال: يجب عليه إخراج الخمس، فيخمّس كلّ ما زاد عن مؤنة سنته.

‏‏ فقلت: ولمن أدفع الخمس؟

قال أبي: يقسم الخمس في هذا الزمان ــ زمان الغيبة - نصفين: نصف لإمام العصر الحجة المنتظر (عجلّ الله تعالى فرجه الشريف) ويُصرف فيما يحرز فيه رضاه، ونصف لبني هاشم الذين ينتسبون من جهة الأَب إلى هاشم جدّ النبي(صلى الله عليه وآله): أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، بشرط الإيمان، ولا يعتبر العدالة، ويعتبر الفقر في الأيتام ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم ولو كان غنياً في بلده إذا لم يتمكن من السفر بقرض ونحوه، والأحوط وجوباً اعتبار أن لا يكون سفرُه معصيةً، ولا يُعطى أكثر من قدر ما يوصله إلى بلده.

والخمس بحثه طويل يا بني ومصاديقه عديدة، فإذا صادفتك معضلة في الخمس فاسأل ذوي الاختصاص، فهم أعلم بتفرعاته، فقم الآن وتوضأ، فقد أقترب وقت أذان الظهر؛ حتى نتهيّأ للذهاب إلى المسجد.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (27)