وَرَدَت بعض الروايات في صفة تعامل الإمام المنتظر(عليه السلام) مع الناس عند الظهور، منها ما جاء عن مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا يَصْنَعُ الْقَائِمُ إِذَا خَرَجَ لَأَحَبَّ أَكْثَرُهُمْ أَلَّا يَرَوْهُ مِمَّا يَقْتُلُ مِنَ النَّاسِ، أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْدَأُ إِلَّا بِقُرَيْشٍ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا السَّيْفَ، وَ لَا يُعْطِيهَا إِلَّا السَّيْفَ، حَتَّى يَقُولَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: لَيْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ لَوْ كَانَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ»[1].
ومنها ما جاء عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: صَالِحٌ مِنَ الصَّالِحِينَ سَمِّهِ لِي - أُرِيدُ الْقَائِمَ (عليه السلام) - فَقَالَ: اسْمُهُ اسْمِي، قُلْتُ أَيَسِيرُ بِسِيرَةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)؟ قَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا زُرَارَةُ، مَا يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لِمَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله(صلى الله عليه وآله) سَارَ فِي أُمَّتِهِ بِالْمَنِ، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَالْقَائِمُ يَسِيرُ بِالْقَتْلِ، بِذَاكَ أُمِرَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي مَعَهُ، أَنْ يَسِيرَ بِالْقَتْلِ، وَ لَا يَسْتَتِيبَ أَحَداً، وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَاهُ»[2].
وربما تبعث هذه الأخبار وما على منوالها على تساؤلٍ من بعض الناس: من أن هذه الطريقة في التعامل القائمة على القتل الشديد ورفض الاستتابة للنادمين؛ لا تتلاءم مع سيرة أهل البيت(عليهم السلام)! فكيف يسير عليها خاتم الأئمة(عليهم السلام)؟
وفي رفع هذا الاشتباه نقول إن تطبيق العدالة والإنصاف وتسيير أمور الناس على الوجه الصحيح؛ أحياناً يستدعي الموقف والحال أن يكون الطريق هو اللين والرفق والمسامحة، وأحياناً يكون الطريق هو اللجوء إلى استخدام القوة، وهي المواقف التي لا ينفع فيها الطريق الأوّل، وتشخيص الحال والطريقة راجع إلى الإمام(عليه السلام)، خصوصاً وأنه(عليه السلام) لديه مهمة ومسؤولية تطبيق العدل، وبالتأكيد هناك من يكون موقفه لا يوافق موقف وهدف الإمام(عليه السلام) في مشروع دولة العدل الإلهي، فيكون مع الموافق صاحب اللين والرحمة، ومع المخالف الذي يقف ضدّ مشروعه، فيقوم حينئذٍ عليهم بالسيف، وينتقم منهم بإذن الله، ولا تشفع لهم قبيلة، ولا شفاعة انتمائهم القومي أو العرقي أيضاً، سواءً في ذلك كانوا عرباً أم عجماً، من قريش أم من غيرهم، أومن أي فئة أخرى، فهو(عليه السلام) نعمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين والمنافقين، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[3].
فإذاً لا عجب أن يكون ظهور الإمام(عليه السلام) رحمة ونقمة، وهو(عليه السلام) بهذا الأمر لا يختلف عن جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) عندما صدع بدعوته المباركة، فكانت دعوته رحمة للمؤمنين شملتهم هداية الدين، وطهّرهم الإسلام من أدران الشرك والضلال، ومن جانب آخر كانت تلك الدعوة نقمة على الكافرين والمشركين من قريش الذين قتلهم الله، وانتقم منهم على يده(صلى الله عليه وآله) أمثال أبي جهل، وعتبة، وعمرو بن ود من طواغيت الجاهلية فانتقم الله منهم بنبيّه(صلى الله عليه وآله)، فهل هذا إلاّ نصرٌ إلهيٌّ وفتحٌ مبين؟
كذلك سيكون قائمنا وظهوره الشريف، فهو نقمة على الكافرين والمنافقين، إذ سينتقم الله به من عتاة الجبارين بسيف الحق القويم، وهو مصداق قوله تعالى: (فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[4].
بل من هذا القبيل كان الجهاد في سبيل الله تعالى من فروع الدين الإسلامي لأجل إعلاء كلمة الله وفيه قتل للكافرين المعاندين، والمنافقين والمارقين، ولم يكن في ذلك أي محذور، وفي نفس الوقت هو رحمة للمؤمنين.
علماً أنه (عليه السلام) في بعض الموارد قد يعفو لمصلحة هو يراها (صلوات الله عليه وعلى آبائه) إلاّ أنه لا يفرّط في حقوق الله وفي مظلومية المظلومين.
المصدر: مجلة اليقين العدد (54)