في الحقيقة هذه اللّفظة (يا عليّ مدد) غير متداولة عند الشيعة الإمامية كثيراً، بل هو دعاء يكثر عند الفرق الصّوفية، وأمّا الشّيعة فالمتداول عندهم هو لفظ الاستعانة والاستغاثة بأمير المؤمنين (عليه السلام) (يا عليّ) من غير كلمة مدد.
وسواء استعملها الشّيعة أم لم يستعملها فلا محذور لغويّ ولا دينيّ في ذلك الاستعمال إلا من باب التّوهم عند من يرى عدم جواز استعمالها، وعدم الاطلاع على علوم العربية وأساليب لغة العرب، ففي اللّغة العربية وفي علم البلاغة بالتّحديد يوجد أسلوب يسمّى المجاز في الإسناد، وقول (يا عليّ مدد) من هذا الأسلوب، والعبارة تعني: (يا عليّ نريد المددَ من الله عزَّ وجلَّ، وبجاهك عند الله نسأله أن يمدنا القوة والعافية والتوفيق ويقضي حوائجنا).
والمجاز في الإسناد كما قلنا من أساليب اللّغة العربية الحسنة، والتي يستعملها العرب كثيراً في التّعبير عن المعاني وإفهام الآخرين، بل هي عندهم أبلغ وأجمل من الكلام الحقيقي الصّريح، وقد جاء في القرآن الكريم بكثرة على نحو الخبر، وعلى نحو الإنشاء والطّلب، ففي قوله تعالى: (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا)[1]، نجد أنّ القرآن الكريم أسند إخراج الأثقال إلى الأرض، وهي في الحقيقة مخلوق جامد، لا يمكن عقلاً أن يقوم بعملية إخراج الأثقال، كما أن الأرض لا يمكن أن تملك الأثقال حتّى تنسب إليها، فهل يا ترى يعدّ هذا الكلام غلطاً في القرآن الكريم؟!
قال البلاغيون: إنّ التّعبير المذكور في القرآن الكريم قد جاء على نحو المجاز في الإسناد، أي: إسناد الشّيء لغير ما هو له؛ لوجود علاقة بين المسند والمسند إليه، والعلاقة بين الأثقال والأرض هي علاقة المكان، فالأرض هي مكان الأثقال، فيصحّ للمتكلّم -بلحاظ هذه العلاقة- أن يُسند إخراج الأثقال للأرض مباشرة مجازاً، والحال أنّ المُخرِج الحقيقيَّ للأثقال من الأرض هو الله عزّ وجلّ، وهذا نظير ما جاء في لغة العرب: (أنبتَ الرَّبيعُ البقلَ)، حيث أسند الإنبات للربيع، لعلاقة الزّمان بين البقل والرّبيع، فالرّبيع هو زمان ظهور البقل، وكما جاء في لغة العرب: (سالَ الميزابُ)، حيث أسند السَّيلان للميزاب، بينما الّذي سال حقيقة هو الماء دون الميزاب، لوجود علاقة المكان بين الماء والميزاب، فالميزاب هو محل سيلان الماء، وهكذا.
وأما استعمال المجاز في الإسناد في القرآن الكريم على نحو الإنشاء والطّلب فقد جاء أيضاً في قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ)[2]، حيث نجد طلب فرعون من وزيره (هامان) أن يبني له صرحاً وبناءً عالياً يبلغ به عنان السّماء حتى ينظر في موضوع ربّ موسى ومكانه - على حدّ زعمه -، والحال أنّ هامان -بمقتضى منصبه- لا يباشر عملية البناء بل سيأمر جنوده ببناء الصّرح، ولكن أسند أمر البناء إليه؛ لأنّه محل إعطاء الأوامر للجنود بالمباشرة بالبناء.
إذاً لا مانع من هذا الاستعمال من ناحية الشّرع واللّغة والعرف، ففي العرف مثلاً تجد النّاس في موضع طلبهم بعضهم من بعض العناية بالشّيء أن يقولوا: (أخليه بعيوني)، فهل هم فعلاً سيضعون هذا الشّيء الّذي يريدون الاعتناء به بعيونهم؟ مع أنّه استعمال شائع وسائغ.
النتيجة: إن موضوعنا هو من هذا القبيل، أي: يكون المراد من قول الشّيعة أو غيرهم: يا علي.. أو: يا علي مدد.. حيث يسندون المدد أو الاستعانة بأمير المؤمنين (عليه السلام) مباشرة، فهم يقصدون الجاه والواسطة، وأن يستجيب الله دعاءهم وقضاء حوائجهم بجاه أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام).
وقد أجمع علماء المسلمين بأنّ المتكلم إذا كان في كلامه مسوِّغٌ مقبولٌ في لغة العرب فلا يحمل كلامه على الشِّرك ولا على الكفر، بل يحمل على هذا الاستعمال المقبول في لغة العرب وطريقتهم في البيان، بل لا يدّعي أحد حتّى جهّال الشّيعة أنّهم يدعون ويستعينون بالأئمة (عليهم السلام) على نحو الاستقلال بدون مشيئة الله وقدرته.
مجلة اليقين العدد (12)