الأذان والإقامة

كنت جالساً في البيت أتابع برنامجي المفضل على التلفاز؛ والذي يدور حول عادات وتقاليد الشعوب على إحدى القنوات الفضائية، وبينما أنا مندمج نفسياً مع البرنامج إذا بصوت الأذان يعلو في منطقنا، فقال لي أبي: قم إلى وضوئك يا ولدي، فقد حان وقت الصلاة، وهذا نداؤها يملأ السماء، ربنا سمعنا وأطعنا، قم للصلاة ولا تنسَ الأذان قبل الصلاة عند توجهك للقبلة.

وبعد الانتهاء من أداء الصلاة قلت لأبي: أليس الأذان مستحبّاً كما قلت لي في أكثر من مناسبة سابقة؟

فقال أبي: نعم قلت ذلك، فهو والإقامة مستحبّان في الفرائض اليومية أداءً وقضاءً، في الحضر والسفر، وفي الصحة والمرض، للإمام والمأموم والمنفرد، رجلاً كان أو امرأة، ويتأكد استحبابهما في الصلوات الأدائية منها لا سيما المغرب والغداة كما يتأكد الأذان والإقامة للرجال وأشدهما تأكيدا لهم الإقامة بل الأحوط استحبابا لهم الإتيان بها.

قلت: وما حكمهما بالنسبة للنساء؟

قال: لا يتأكدان بالنسبة إلى النساء.

قلت: وهل تشرع الأذان والإقامة في النوافل؟

قال أبي: كلّا، لا يشرّع الأذان ولا الإقامة في النوافل، ولا حتى في الفرائض غير اليومية.

فقلت: ولم هذا التشديد على ذكرهما في الصلوات إن كانا مستحبين؟

قال أبي: لثوابهما العظيم، لقوله تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ...)[1]، فهما من شعائر الدين وعنوان دار الإسلام.

فقلت: مع ذلك هما مستحبان.

فقال: صحيح كلامك يا ولدي، ولذلك ولأجرهما العظيم؛ على المؤمن أن لا يتركهما؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبلال: «.. وَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالْأَذَانِ؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَكَّلَ بِالْأَذَانِ رِيحاً تَرْفَعُهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعُوا الْأَذَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، قَالُوا: هذِهِ أَصْوَاتُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) بِتَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِامَّةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) حَتّى يَفْرُغُوا مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ»[2].

فقلت: وهل لهما آثار أخرى؟

قال: هي كثيرة جداً وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ذكره أمير المؤمنين(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لِلْمُؤَذِّنِ فِيمَا بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ الْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَى...»[3]، وربما يكون الأذان علاجاً للعقم والأمراض في حالات أخر، (كشكوى هشام بن إبراهيم إلى الإمام الرضا(عليه السلام) سقمه وأنّه لا يولد له، فأمره(عليه السلام) أن يرفع صوته بالأذان في منزله، قال ابن إبراهيم: ففعلتُ ذلك، فأذهب اللهُ عني سقمي، وكثر ولدي)[4].

فقلت: ومتى يسقط الأذان؟

قال: متى ما جُمع بين الفريضتين أداءً سقط أذان الثانية، وكذا إذا جمع بين قضاء الفوائت في مجلس واحد فإنه يسقط الأذان مما عدا الأولى.

فقلت: ومتى يسقط الأذان والإقامة معا؟

قال: في بعض الموارد:

الأول: الداخل في الجماعة التي أذّنوا لها وأقاموا.

الثاني: الداخل إلى المسجد قبل تفرق الجماعة.

الثالث: إذا سمع شخصاً آخر يؤذن ويقيم للصلاة، بشرط أن لا يقع بين صلاته وبين ما سمعه فصل كثير.

فقلت: وماذا يشترط في الأذان والإقامة؟

قال: يشترط فيهما أمور:

الأول: نية القربة.

الثاني والثالث: العقل والإيمان.

الرابع: الذكورة للذكور فلا يعتد الرجال بأذان النساء وإقامتهن لغيرهن حتى المحارم على الأحوط وجوباً.

الخامس: الترتيب بتقديم الأذان على الإقامة.

السادس: العربية وترك اللحن.

السابع: دخول الوقت فلا يصحّان قبله.

فقلت: وهل يستحب لأدائهما شيئاً معيناً؟

قال: يستحب فيهما الطهارة من الحدث، والقيام، والاستقبال، ويكره الكلام في أثنائهما.

فقلت: ومن ترك الأذان والإقامة، أو أحدهما عمداً، حتى أحرم للصلاة هل يقطع الصلاة لأدائهما أم لا؟

فقال: لم يجز له قطعها على الأحوط لزوماً.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (60)

 


[1] سورة التوبة: الآية 3.

[2] الكافي، الكليني: 63، ص132.

[3] ثواب الأعمال، الصدوق: ج1، ص31.

[4] من لا يحضره الفقيه، الصدوق: ج1، ص292.