الرابع: - من شروط المتعاقدين - أن يكون مالكاً للتصرّف الناقل، كأن يكون مالكاً للشيء من غير أن يكون محجوراً عن التصرّف فيه لسفه أو فَلَس أو غيرهما من أسباب الحجر، أو يكون وكيلاً عن المالك أو مأذوناً من قبله أو وليّاً عليه، فلو لم يكن العاقد مالكاً للتصرّف لم يصحّ البيع بل توقّفت صحّته على إجازة المالك للتصرّف، فإن أجاز صحّ وإلّا بطل، فصحّة العقد الصادر من غير مالك العين تتوقّف على إجازة المالك، وصحّة عقد السفيه على إجازة الوليّ، وصحّة عقد المُفَلَّس على إجازة الغرماء فإن أجازوا صحّ وإلّا بطل، وهذا هو المسمّى بـ (عقد الفضوليّ).
والمشهور بىن الفقهاء (رضوان الله تعالى علىهم) أنّ الإجازة بعد الردّ لا أثر لها ولكنّه لا يخلو عن إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، وأمّا الردّ بعد الإجازة فلا أثر له بلا إشكال.
مسألة 69: لو منع المالك من بيع ماله فباعه الفضوليّ، فإن أجازه المالك صحّ، ولا أثر للمنع السابق في البطلان.
مسألة 70: إذا علم من حال المالك أنّه يرضى بالبيع فباعه لم يصحّ وتوقّفت صحّته على الإجازة.
مسألة 71: إذا باع الفضوليّ مال غيره عن نفسه لاعتقاده أنّه مالك، أو لبنائه على ذلك - كما في الغاصب - فأجازه المالك لنفسه صحّ البيع ويكون الثمن له.
مسألة 72: لا يكفي في تحقّق الإجازة الرضا الباطنيّ، بل لا بُدَّ في تحقّقها من قول مثل: (رضيت) و(أجزت) ونحوهما، أو فعل مثل: أخذ الثمن أو بيعه أو الإذن في بيعه، أو إجازة العقد الواقع عليه أو نحو ذلك.
مسألة 73: الإجازة كاشفة عن صحّة العقد من حين وقوعه كشفاً انقلابيّاً، بمعنى اعتبار الملكيّة من حين تحقّق العقد في زمن حدوث الإجازة، فنماء الثمن من حين العقد إلى حين الإجازة ملك لمالك المبيع ونماء المبيع ملك للمشتري.
مسألة 74: لو باع باعتقاد كونه وليّاً أو وكيلاً فتبيّن خلافه، فإن أجازه المالك صحّ وإن ردّ بطل، ولو باع باعتقاد كونه أجنبيّاً فتبيّن كونه وليّاً أو وكيلاً صحّ ولم يحتج إلى الإجازة ولو تبيّن كونه مالكاً صحّ البيع - من دون حاجة إلى إجازته - فيما لو كان البيع لنفسه، وإلّا ففي الصحّة إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 75: لو باع مال غيره فضولاً ثُمَّ ملكه قبل إجازة المالك - إمّا باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالإرث - بطل البىع ولا ىمكن تصحىحه بإجازة نفسه.
مسألة 76: لو باع مال غيره فضولاً فباعه المالك من شخص آخر صحّ بيع المالك وبطل بيع الفضوليّ، ولا تنفع في صحّته إجازة المالك ولا المشتري.
مسألة 77: إذا باع الفضوليّ مال غيره ولم تتحقّق الإجازة من المالك، فإن كانت العين في يد المالك فلا إشكال، وإن كانت في يد البائع جاز للمالك الرجوع بها عليه، وإن كان البائع قد دفعها إلى المشتري جاز له الرجوع على كلٍّ من البائع والمشتري، وإن كانت تالفة رجع على البائع إن لم يدفعها إلى المشتري، أو على أحدهما إن دفعها إليه بمثلها إن كانت مثليّة، وبقيمتها إن كان قيميّة.
مسألة 78: المنافع المستوفاة مضمونة، وللمالك الرجوع بها على من استوفاها، وكذا الزيادات العينيّة مثل اللبن والصوف والشعر ونحوها ممّا كانت له ماليّة، فإنّها مضمونة على من استولى عليها كالعين، أمّا المنافع غير المستوفاة ففي ضمانها إشكال، ولا يبعد التفصيل فيها بين المنافع المفوّتة والفائتة، بثبوت الضمان في الأوّل دون الثانية، والمقصود بالمنافع المفوّتة ما تكون مقدّرة الوجود عرفاً كسكنى الدار، وبالفائتة ما لا تكون كذلك كمنفعة الكتب الشخصيّة غير المعدّة للإيجار .
مسألة 79: المثليّ هو : ما يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات، والقيميّ هو : ما لا يكون كذلك، فالآلات والأواني والأقمشة المعمولة في المعامل في هذا الزمان من المثليّ، والجواهر الأصليّة من الياقوت والزمرّد والألماس والفيروزج ونحوها من القيميّ.
مسألة 80: إذا تفاوتت قيمة القيميّ من زمان القبض إلى زمان الأداء - بسبب كثرة الرغبات وقلّتها - فالمدار في القيمة المضمون بها قيمة زمان التلف، وإن كان الأحوط الأولى التراضي والتصالح فيما به التفاوت بين قيمة زمان القبض والتلف والأداء.
مسألة 81: إذا لم يمضِ المالك المعاملة الفضوليّة فعلى البائع الفضوليّ أن يردّ الثمن المسمّى إلى المشتري، فإذا رجع المالك على المشتري ببدل العين من المثل أو القيمة، فليس للمشتري الرجوع على البائع في مقدار الثمن المسمّى، ويرجع في الزائد عليه إذا كان مغروراً.
وإذا رجع المالك على البائع رجع البائع على المشتري بمقدار الثمن المسمّى إذا لم يكن قد قبض الثمن، ولا يرجع في الزائد عليه إذا كان غارّاً، وإذا رجع المالك على المشتري ببدل نماء العين من الصوف واللبن ونحوهما أو بدل المنافع المستوفاة أو غير ذلك.
فإن كان المشتري مغروراً من قبل البائع - بأن كان جاهلاً بأنّ البائع فضوليّ وكان البائع عالماً فأخبره البائع بأنّه مالك، أو ظهر له منه أنّه مالك - رجع المشتري على البائع بجميع الخسارات التي خسرها للمالك، وإن لم يكن مغروراً من البائع - كما إذا كان عالماً بالحال أو كان البائع أيضاً جاهلاً - لم يرجع عليه بشيء من الخسارات المذكورة.
وإذا رجع المالك على البائع ببدل النماءات، فإن كان المشتري مغروراً من قبل البائع لم يرجع البائع على المشتري، وإن لم يكن مغروراً من قبل البائع رجع البائع عليه في الخسارة التي خسرها للمالك، وكذا الحال في جميع الموارد التي تعاقبت فيها الأيدي العادية على مال المالك، فإنّه إن رجع المالك على السابق رجع السابق على اللاحق إن لم يكن مغروراً منه، وإلّا لم يرجع على اللاحق، وإن رجع المالك على اللاحق لم يرجع إلى السابق، إلّا مع كونه مغروراً منه.
وكذا الحكم في المال غير المملوك لشخص خاصّ - كالزكاة المعزولة، ومال الوقف المجعول مصرفاً في جهة معيّنة أو غير معيّنة أو في مصلحة شخص أو أشخاص - فإنّ الوليّ يرجع على ذي اليد عليه مع وجوده، وكذا مع تلفه على النهج المذكور .
مسألة 82: لو باع إنسان ملكه وملك غيره صفقة واحدة صحّ البيع فيما يملك، وتوقّفت صحّة بيع غيره على إجازة المالك، فإن أجازه صحّ وإلّا فلا، وحينئذٍ يكون للمشتري خيار تبعّض الصفقة، فله فسخ البيع بالإضافة إلى ما يملكه البائع.
مسألة 83: طريق معرفة حصّة كلّ واحد منهما من الثمن: أن يقوّم كلّ من المالين بقيمته السوقيّة، فيرجع المشتري بحصّة من الثمن نسبتها إلى الثمن نسبة قيمة مال غير البائع إلى مجموع القيمتين، فإذا كانت قيمة ماله عشرة وقيمة مال غيره خمسة والثمن ثلاثة يرجع المشتري بواحد وهو ثلث الثمن ويبقى للبائع اثنان وهما ثلثا الثمن، هذا إذا لم يكن للاجتماع دخل في زيادة القيمة ونقصها.
أمّا لو كان الأمر كذلك وجب تقويم كلٍّ منهما في حال الانضمام إلى الآخر ثُمَّ تنسب قيمة كلّ واحد منهما إلى مجموع القيمتين، فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة، مثلاً إذا باع الفرس ومهرها بخمسة، وكانت قيمة الفرس في حال الانفراد ستّة، وفي حال الانضمام أربعة، وقيمة المهر بالعكس فمجموع القيمتين عشرة، فإن كانت الفرس لغير البائع رجع المشتري بخمسين - وهما اثنان من الثمن - وبقي للبائع ثلاثة أخماس، وإن كان المهر لغير البائع رجع المشتري بثلاثة أخماس الثمن وهو ثلاثة، وبقي للبائع اثنان.
مسألة 84: إذا كانت الدار مشتركة بين شخصين على السويّة فباع أحدهما نصف الدار، فإن قامت القرينة على أنّ المراد نصف نفسه أو نصف غيره أو نصف في النصفين عمل على القرينة، وإن لم تقم القرينة على شـيء من ذلك حمل على نصف نفسه لا غير .
ولاىة التصرّف في أموال الصغار وشؤونهم
مسألة 85: يجوز للأب والجدّ للأب وإن علا التصرّف في مال الصغير بالبيع والشراء والإجارة وغيرها، وكلّ منهما مستقلّ في الولاية فلا يعتبر الإذن من الآخر، كما لا تُعتبر العدالة في ولايتهما، ولا أن تكون مصلحة في تصرّفهما، بل يكفي عدم المفسدة فيه.
نعم إذا دار الأمر بين الصالح والأصلح لزم اختيار الثاني إذا عُدّ اختيار الأوّل - في النظر العقلائيّ - تفريطاً من الوليّ في مصلحة الصغير، كما لو اضطرّ إلى بيع مال الصغير وأمكن بيعه بأكثر من قيمة المثل فلا يجوز له البيع بقيمة المثل، وكذا لو دار الأمر بين بيعه بزيادة درهم عن قيمة المثل وزيادة درهمين - لاختلاف الأماكن أو الدلّالين أو نحو ذلك - لم يجز البيع بالأقلّ وإن كانت فيه مصلحة إذا عُدّ ذلك تساهلاً عرفاً في مال الصغير .
والمدار في كون التصرّف مشتملاً على المصلحة أو عدم المفسدة على كونه كذلك في نظر العقلاء لا بالنظر إلى علم الغيب، فلو تصرّف الوليّ باعتقاد المصلحة فتبيّن أنّه ليس كذلك في نظر العقلاء بطل التصرّف، ولو تبيّن أنّه ليس كذلك بالنظر إلى علم الغيب صحّ إذا كانت فيه مصلحة بنظر العقلاء.
مسألة 86: يجوز للأب والجدّ التصرّف في نفس الصغير بإجارته لعملٍ ما أو جَعْلِه عاملاً في المعامل، وكذلك في سائر شؤونه مثل تزويجه، نعم ليس لهما طلاق زوجته، ولكن لهما فسخ نكاحه عند حصول المسوّغ للفسخ، وهبة المدّة في عقد المتعة.
ويشترط في نفوذ تصرّفهما في نفس الصغير خلوّه عن المفسدة، وتقديم الأصلح عند دوران الأمر بينه وبين الصالح على نحو ما تقدّم في تصرّفهما في ماله.
مسألة 87: إذا أوصى الأب أو الجدّ إلى شخص بالولاية بعد موته على القاصرين نفذت الوصيّة، وصار الموصى إليه وليّاً عليهم بمنزلة الموصي تنفذ تصرّفاته مع الغبطة والمصلحة في جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية فيه - على كلام في تزويجهم يأتي في محلّه - إلّا أن يعيّن تولّي جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً فيقتصر عليه، ويُشترط في الوصيّ الرشد والوثاقة، ولا تُشترط فيه العدالة.
كما يُشترط في صحّة الوصيّة فقد الآخر، فلا تصحّ وصيّة الأب بالولاية على الطفل مع وجود الجدّ، ولا وصيّة الجدّ بالولاية على حفيده مع وجود الأب، ولو أوصى أحدهما بالولاية على الطفل بعد فقد الآخر لا في حال وجوده ففي صحّتها إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 88: ليس لغير الأب والجدّ للأب والوصيّ لأحدهما ولاية على الصغير، ولو كان عمّاً أو أُمّاً أو جدّاً للأُمّ أو أخاً كبيراً، فلو تصرّف أحد هؤلاء في مال الصغير أو في نفسه أو في سائر شؤونه لم يصحّ وتوقّف على إجازة الوليّ.
مسألة 89: إذا فقد الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما تكون للحاكم الشرعيّ - وهو المجتهد العادل - ولاية التصرّف في أموال الصغار مشروطة بالغبطة والصلاح، بل الأحوط استحباباً له الاقتصار على ما إذا كان في تركه الضرر والفساد، كما لو خيف على ماله التلف - مثلاً - فيبيعه لئلا يتلف، ومع فقد الحاكم أو تعذّر الرجوع إليه فالولاية لعدول المؤمنين مشروطة بما تقدّم، ولو تعذّر الوصول إلى العادل تكون الولاية لسائر المؤمنين.
وإذا اتّفق احتياج المكلّف إلى دخول دار الأيتام والجلوس على فراشهم والأكل من طعامهم وتعذّر الاستئذان من وليّهم جاز له ذلك إذا لم يكن فيه ضرر عليهم وبشرط أن ىعوِّضهم عمّا ىتصرّف فىه بالقىمة، إلّا إذا كان التصرّف مصلحة لهم فإنّه ىجوز عندئذٍ من دون حاجة إلى عوض، والله سبحانه العالم.