تنافي الخوف مع الشجاعة

السيد يوسف حميد

تذكر الكتب الشيعية التي تحدّثت عن الإمام المهدي (عجل تعالى فرجه الشريف)، إن أحد أسباب غيبته (عليه السلام)، هو الخوف من القتل من قبل السلطة الحاكمة آنذاك، يقول الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ص199: (لا علّة تمنع من ظهور المهدي إلاّ خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار).

وفعلاً إن ما تواترت به الأخبار عن النبي والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) قد أرعب العباسيين واقض مضجعهم بخصوص الإمام المنتظر (عليه السلام) من أنه آخر خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه سوف يقيم العدل في الأرض، وينشر الحق، وفي زمن حكمه يعيش الناس أمناً ورخاءً، وهو الذي يقف بوجه أنواع الظلم والضلال وينتصر عليه، فيزول حكم الظالمين، لهذا شدّدوا الرقابة على أبيه وجدّه من قبله، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام (عليه السلام)، واعتقلوا بعض نساء الإمام اللواتي يشتبه أنهن حوامل. فهذا هو السبب الرئيس في اختفاء الإمام (عليه السلام) وعدم ظهوره للناس.

هذا السبب ولّد عند البعض شبهة في مسألة غيبته (عليه السلام)، سواء كان ذلك عن جهل أو عن قصد إلى التشكيك في المسألة، وحاصل الشبهة، أن من شروط الإمام أن يكون شجاعاً بمقتضى العصمة، كون الشجاعة من الصفات الحميدة التي ينبغي استجماعها عند المعصوم (عليه السلام)، والقول أن سبب غياب الإمام (عليه السلام) هو الخوف من القتل كما قال الشيخ الطوسي، يتنافى مع الشجاعة، إذ كيف تجتمع الشجاعة والخوف في نفس المعصوم؟

وهذه شبهة لا تحتاج إلى عناء كبير وأدلة طويلة لردها، بل يكفي في جوابها أن نلفت النظر إلى أنه لا توجد علاقة بين الحفاظ على النفس من الأخطار اليقينية بل والمحتملة، وبين وصف الجبن أو الشجاعة، فكل كائن حي حساس يدفع عن نفسه الأذى بفطرته، وهو أمر يُقرِّه العقل والشرع، كما أن عدم التحفظ وعدم الحذر من الضرر تغرير للنفس بالهلكة وهو تهورٌ منهيٌ عنه، قال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[1].

وهذا أمر واضح، ونستطيع أن نقول: إن هذا النوع من الخوف أمر فطري، وهو من باب أخذ الحيطة كما يفعل الفرسان في الحرب فهم يتوَقَّون القتل أحياناً بالكر وأحياناً بالفرار كحالةِ يتحفظ بها على نفسه، كما أن الشجعان يرتدون الدروع والحديد للحماية من الضربات القاتلة، وهم بذلك لا يوصفون بالجبن بل يتغنى الشعراء بشجاعتهم ويُسجّلون أسماءهم على جبين التأريخ.

فليس هناك علاقة عكسية بين الحذر وبين صفة الشجاعة، بل ربما يكون الحذر والحيطة والتحرز على النفس من العدو من مقتضيات الشجاعة ومن حكمة وفنون الحرب، وإلا فماذا نقول في اختفاء النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار عند هجرته إلى المدينة توقياً من الأعداء عند ملاحقتهم له؟ هل نقول أنه لم يكن شجاعاً! ومثله ما أخبر به القرآن الكريم عن خوف موسى (عليه السلام) (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّني‏ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ)[2].

لهذا فإنَّ حالة الخوف والحذر لحفظ النفس حالة قرآنية تؤيدها النواميس الطبيعية.

وقد وقع في تأريخ الأنبياء أحداث مماثلة من تهديد حياتهم وتعرضهم للخطر فتوقوه بالهجرة والاختفاء.

ومن كل هذا فإن مقتضى العقل أن يحفظ الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه ولا يعرّضها للتهلكة دون حكمة وهدف ولا يجعلها مورداً لكيد الأعداء وملاحقة الظالمين، فكانت غيبته حكمة لا تعارضها النواميس ولا تنافيها قوانين الشجاعة صلوات الله عليه.

ويضاف إلى مسألة وجوب حفظ نفسه الشريفة أمر آخر، وذلك لئلا تنقطع الإمامة بقتله، فتخلو الأرض من الحجة بفقدانه فضلاً عن كونه مكلفاً بإقامة دولة الحق على يديه صلوات الله عليه، وهذه من مختصات الشيعة أعزهم الله.

المصدر: مجلة اليقين العدد (4)

 


[1] البقرة/195.

[2]  القصص/21.