منذ أيام ومحمد يتحامل على نفسه للوقوف على قدميه بعد أيام من تعرّضه للإصابة أثناء لعب كرة القدم، وكان والده قد خرج من البيت بعد أن غضب من الأمر، وأثناء محاولته تلك تبين له أن وضعه الصحي لن يتحسن قبل مرور مدة طويلة، وفقد نتيجة ذلك أمله في العودة الى المشي من دون الاستعانة بالآخرين في الوقوف وحده، فعاد الى فراشه وهو في حالة ياس شديدة.
وكانت والدته تحظر له طعاماً ليتناوله عندما يستيقظ من نومه، وفجأة ناداها بصوت عالٍ، فجاءت الأم مسرعة مخافة أن يكون هناك مكروه قد وقع على ابنها وهو في الغرفة وحيداً، وما أن رأته في فراشه حتى قالت له: إن أباك قد ذهب الى خارج البيت حتى لا يرى وضعك هذا.
قال محمد: إنني بحاجة الى الحديث معه بدل أن يخرج لأنني اشعر بالذنب، فقد نهاني عن اللعب أكثر من مرة وكنت في كلّ مرة أؤكد له أن الأمر لا يدعو للقلق أبداً، فيما كان هو يؤكد لي أن هذا اللعب سيكلّفني أكثر مما أتوقع وقد صدق حدسه وخاب ظني.
وفي هذه الأثناء عاد الأب وهو يمل في يده طعاماً جلبه خصيصاً لابنه المصاب وأعطاه للأم، فقامت باستلام الأغراض من الأب وطلبت من الأب أن يأتي معها في المطبخ لتحدثه عن أمر ضروري.
وأثناء تحضير الطعام الذي جلبه الأب في المطبخ قالت الأم: إن ابنك مصاب بخيبة أمل كبيرة لأنه لم يستمع الى كلّامك ونصيحتك خصوصاً بعد أن وصل الأمر الى الوضع الذي تراه، فرد الأب: إنني كنت على يقين من وصول الوضع الى هذه الوضعية وذلك لأن الأشخاص الذين كانوا مع ابنك في ممارسة اللعب ليس عندهم حرص على أن تكون كرة القدم لعبة من أجل التسلية والاستفادة الصحية، بل كانوا يستعملون القوة في اللعب، وقد حذرت ابنك من هذه النتيجة لكنه كان لا يسمع الكلّام ولا يحب أن يفهم إذا سمع ولهذا كنت أريد أن اسمعه مخاوفي من هذه اللعبة لكنه لم يكن معي أبداً.
وعندما عاد الأب الى غرفة ابنه محمد بادره الابن بالقول: إنني لم أكن أتصور أن تكون هذه هي نهاية اللعب في كرة القدم، فقال الأب: هذه ليست هي نهاية ممارسة كرة القدم بل هذه نتيجة عدم الاستماع الى النصيحة والتحذير، فقد قدمت لك النصح لكنك أغلقت قلبك وعقلك دوني، فكانت هذه هي النتيجة، ولأنني حريص عليك تركتك تكتشف الحقيقة بنفسك ولم أكن أتصورأن يصل الأمر الى الكسر.
حاول الابن أن يمنع نفسه من البكاء لكنه لم يتمالك نفسه، وقال: ما كنت أتصور أن الأمر سيصل الى هذا المستوى، وكان ظني أن التحذيرات التي كنت تبلغني بها ليست أكثر من مخاوف أب مشفق على ابنه.
قام الأب بتجفيف دموع ابنه، وقال له: أنا لا ألومك في موقفك هذا كثيرا وذلك لان الشاب دائماً يبحث عما يناسب إدراكهوأنت عملت وفق ما يتصوره معظم الشباب.
في هذا الوقت خطر سؤال في بال الابن فقال للأب: وهل كان اللعب الذي كنت أمارسه مشروعاً مع أنه أوصلني الى هذه الحالة؟
قال الأب: ليس من المشروع أن تكون الرياضة محلاً للأحقاد والأذى بهذا الشكلّ الذي كنت تمارسه في الأيام السابقة، فالرياضات غير القمارية ليست ممنوعة لكنها ليست مشروعة مطلقاً، فإن شرط حليّتها أن تكون خالية من الرهن، ومن الأذى غير المعتاد، وأنت تعلم أن اللعب الذي كنت تمارسه لا تتوفر يه جميع الشروط التي ذكرتها، وهذا الأمر ليس خاصا كرة القدم بل هو شامل لكلّ الرياضات المشروعة غير القمارية.
وفي هذا الوقت شعر الابن بالأسى على نفسه إذ أنه أمسى يقلّب كفيه ن دون نتيجة نافعة فقد سبق الخطر الى المرمى فصار التدارك صعباً أو شبه مستحيل.
وقامت الأم بجلب الطعام وكانت تبتسم لأنها رأت التفاهم قد صار هو اللغة المتبعة بين زوجها وابنها فحمدت الله على ذلك وقدمت الطعام لولدها وهي تقول: تعال عوض ما فقدته من طاقة بعد هذا الحادث المرير.
وعندما بدأ محمد بالأكلّ اخذ الأب يشرح له كيفية التطهر مع وجود هذه الجبيرة على قدمه، وكيف يمكنه الاغتسال أيضاً، وكان محمد في هذا الوقت يسمع ولا يعترض علىأهمية وقيمة النصيحة التي قدمها الأب وذهبت أدراج الرياح، وكادت أن تؤدي بمستقبله وربما حياته. وفي الأسبوع التالي أصبح وضع محمد جيدا وفتح عن قدمه الجبيرة وأخذ يتمشى قليلاً حتى يعتاد المشيء من جديد وكان باله دائماً مشغولاً بأهمية الاستماع الى نصيحة الأب عندما يحذر من بعض الأعمال؛ لأن الأب ليست عنده مصلحة سوى البحث عن مصلحة الولد.
وعندما تعافى محمد من هذه الإصابة ذهب الى الشخص الذي أصابه وأخبره أنه قد غفر له وسامحه في حقه لأن والده قد رضي عنه، فجعل ذلك شكراً لله عل عودته الى الطريق الصحيح بعد أن كان معانداً لا يرى رأياً صحيحاً غير رأيه.