لم يكن ذلك الوجود المبارك للزهراء(عليها السلام) بالوجود العادي والطبيعي بأصل تكوينه وتشكّله بعد أن انعقد التكوين الأول من ثمار الجنة ونعيمها، فكانت بحقّ وصدق حوراء أنسية، ولم يكن أيضاً بالوجود الطبيعي بصفاته وسماته بعد أن أفاض الله تعالى عليها عالي أخلاقه وآدابه كما أفاضها الله جل وعلا على أبيها وبعلها (عليهما السلام) من قبل، فوجودها وجود قدسي نوراني، خير أهل الأرض عنصراً، وأعلاهم - بعد نبيّنا ووصيّه (عليهما وآله السلام) - مقاماً ومنزلاً، انفردت بكمالات لم ترقَ لها سائر النساء والرجال من الأولين والآخرين، وحظيت بمقامات دنيوية وأخروية يغبطها بها الأولون والآخرون، وتتربع على منزلة رفيعة في الآخرة يطأطأ لها الخلائق أجمعون، ولها مقام الشفاعة غداً يطمع فيها أهل الكبائر والمذنبون، عندما ينادي المنادي: (يا معشر الخلائق، غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ فاطمة بنت محمّد(صلى الله عليه وآله)، ... ثم يبعث الله (عزوجل) ملكاً لها لم يُبْعَثْ إلى أحد قبلها، ولا يُبْعَثُ إلى أحد بعدها، فيقول: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: سليني، فتقول: هو السلام، ومنه السلام، قد أتمّ عليّ نعمته، وهنّأني كرامته، وأباحني جنّته، وفضّلني على سائر خلقه، أسأله ولدي وذريتي ومَنْ ودّهم بعدي، وحفظهم فيَّ، ...فيوحي الله إلى ذلك الملك من غير أن يزول من مكانه: أَخبرها، أَني قد شفّعتها في ولدِها وذرّيتِها ومَنْ ودّهم فيها، وحفظهم بعدها)[1]، وهذه المقامات هي حصانة إلهية للزّهراء(عليها السلام)، من أن يُتعدّى عليها بسوء أو ينالها أحد بكلمة أو موقف، لكن ما صدر من هذه الأمة -ماضياً وحاضراً- هو التغافل عن قيمة الزهراء(عليها السلام) العظيمة، بل السعي في تجهيل الأمة الإسلامية بهذه الطّاهرة المطهّرة، والصّدّيقة النّجيبة، من خلال عدم كشف فضلها ومقامها ودرجتها لاتباع هذا الدين الحنيف في الكتب والمحاضرات ومنابر القوم! بل الذي يتكلم بفضلها ومنزلتها يحسب شيعياً رافضياً!
إِنْ كَانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلَانِ أَنِّيَ رَافِضِي
مجلة اليقين العدد (58)