الميثولوجيا الرومانية

 

إنّ الرُّومانيين كانوا من أكثر الشعوب القديمة قبولاً لديانات غيرهم، فقد عبدوا آلهة كثيرة في وقت واحد، وكانوا إذا اتّصلوا بقوم أخذوا آلهتهم وعبدوها تحت أيّ صفةٍ، فانتشرت بينهم الديانات اليونانية الأوليمبية والسرية، وعندما اتّصلوا بالبلاد الشرقية عن طريق الفتوحات راقت ديانات الشرقيين في أعينهم، فاعتنقوها وتعبّدوا بها، وأخذوا يقدّمون لها الطقوس والقرابين[1].

ولذلك ليس في ديانتهم نبيٌّ، وليس فيها سعي إلى تفسير طبيعة الآلهة، ولم يُعرف لهم كتاب مقدّس، ونصّ محدد يُعلِّم الفضيلة والأخلاق الصالحة، ويكشف عن حقائق الظواهر الطبيعية والكونية، ولم يُعرف في هذه الديانة مخطط واضح ليوم الحساب والبعث، الأمر الذي يدعو إلى عدم انتظار تعاليم وعقائد صارمة يقوم على ترويجها كهنة مميّزون ومنظّمون في تراتبية كهنوتية دقيقة[2].

الناحية العملية:

لا شكَّ أنّ الناحية العملية النفعية سيطرت على الديانة الرُّومانية، فطالما كانت الآلهة الرُّومانية تؤدي دورها بالنسبة للشخص الرُّوماني وتلبي له متطلباته، فيعبد تلك الآلهة، لكنّه إذا ثبت عدم جدوى إله من الآلهة لم يتردد الشخص الرُّوماني أن يبحث عن معبود آخر طالما خذله المعبود الأول، ولمّا كانت الديانة سطحية شكلية غير روحية، فقد كان لدى هذا الشخص إحساس مستمرّ بهذا النقص، وهو ما أدّى إلى استقبال آلهة كثيرة من الشرق والترحيب بها، وكان من بين هذه الآلهة الإله إسكليبيوس، والآلهة كييلي، وإيريس، وميثراس، وغيرهم[3].

مفهوم الآلهة عند الرُّومان:

كان الرُّومان الأولون وثنيّين كغيرهم من الشعوب القديمة، وعبدوا قِوَى الطّبيعة، وتصوّروا أنّ لكلّ مظهر من مظاهرها إلهاً يدبّر أمورها، ثمّ تطوّرت بفعل احتكاكه باليونان والفينيقيين والأيونيين، وصاروا يعتقدون بوجود آلهة تشبه البشر بشكلها وبصفاتها وبعواطفها، وأخذوا مفاهيم اليونانيين حول الألوهية واستوردوا آلهتهم وسمّوها بأسماء رومانية، ولم تكن أشكال الآلهة الرُّومانية لتختلف عن الأشكال البشرية وكذلك طبائعهم، فآلهتهم تحبّ كما يحبّ البشر وتكره وتغضب وتنتقم، وعلاقة الآلهة لا تخضع لهواجس تُقلق بالهم كالخوف من المستقبل ومن السقوط إلى هوّة العدم (أي: الموت)، فالآلهة خالدة وتتمتع بشباب دائم، وجمالها لا يخفت، وقدرتها لا تضمحل، وعواطفها لا تنضب[4].

المعتقدات:

يعتقد الرُّومان بالحسد، والمعجزات، والخرافات، ولقد كانت التمائم شائعة الاستعمال عندهم، سواء علّقها الأشخاص على أبواب منازلهم، أو على صدورهم؛ لترد الأرواح الخبيثة، وكانت التعاويذ السحرية تستخدم لمنع الأخطار، ولشفاء الأمراض، وإنزال المطر من السماء، وإهلاك جيوش الأعداء[5].

مفهوم الأرواح عند الرُّومان:

اعتقد الرُّومان أنّ كلّ شيء في الطبيعة تسكنه الأرواح التي تفسّر وجود هذا العدد الكبير من الآلهة في البانثيون الرُّوماني، وتظهر المشيئة الإلهية عن طريق الظواهر الطبيعية التي يبحث الشخص الرُّوماني التقيّ عن تفسير لها، وهذا يعلل الاهتمام الكبير المقدم للفؤول والنذر في كلّ مظهر من مظاهر الحياة اليومية الرُّومانية[6].

آلهة الرُّومان الكبار:

وبدأت تظهر أسماء آلهة كبار بعد (زحل) إله البذور، و(نبتون) إله الماء، و(كويرنيوس) إله القوة الغامضة التي توحّدت فيما بعد مع (رومولوس) المؤسس الأسطوري لروما، وفي المرحلة اللاحقة من تاريخ ديانتهم أقاموا هياكل ومعابد عظيمة علي تلّ الكابتول وهو أعلى تلال روما السبعة، كمعبد (جوبيتر) كأفضل وأعظم إله، وجعلوه يسيطر على مجمع آلهة الكابتول على النحو الذي كان يسيطر فيه (زفس) على مجمع آلهة جبل (أوليمبوس)[7].

المصدر: مجلة اليقين العدد (53)

 


[1] ينظر: موسوعة العقيدة والأديان، أحمد علي: ص190.

[2]  ينظر: الديانات الوضعية المنقرضة، محمد العريسى: ص251.

[3] ينظر: مقدمة في آثار الرُّومان، فايز يوسف محمد: ص38.

[4] ينظر: الديانات الوضعية المنقرضة، محمد العريسى: ص251.

[5]  ينظر: الحضارة الرُّومانية، سيد محمد عمر: ص67.

[6] ينظر: موسوعة العقيدة والأديان، أحمد علي: ص192.

[7] الديانات الوضعية المنقرضة، محمد العريسى: ص 245 ـ 246.