ورد في كتاب (مناظرات في العقائد والأحكام للشيخ عبد الله الحسن) أن أبا أحمد هاني بن محمد العبدي، حدّث عن أبي محمد، رفعه لموسى بن جعفر (عليه السلام) قال: لما أُدخلت على الرشيد سلمت عليه فرد السلام.
فقال الرشيد: يا ابن جعفر، خليفتان يُجبى إليهما الخراج؟
فقال الإمام (عليه السلام): أُعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تأذن لي أُحدثك بحديث جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟
فقال الرشيد: أذنت لك.
فقال (عليه السلام): أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «إنّ الرحم إذا مست تحركت واضطربت».
فأخذ الإمام (عليه السلام) بيد الرشيد وجذبه إلى نفسه وعانقه طويلاً حتى فاضت عيناه.
فقال الرشيد: اجلس يا موسى! فليس عليك بأس، صدقت وصدق جدّك (صلى الله عليه وآله)، وأنا أريد أن اسألك عن أشياء تتلجلج في صدري.
فقال الإمام (عليه السلام): سل ما تشاء.
فقال الرشيد: لِمَ فُضّلتم علينا، ونحن وأنتم من شجرة واحدة، إنّا بنو العبّاس وأنتم ولد أبي طالب، وهما عمّا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرابتهما منه سواء؟
فقال (عليه السلام): نحن أقرب، لاَنّ عبد الله وأبا طالب لأب وأُمّ، وأبوكم العباس ليس من أُم عبد الله ولا من أُمّ أبي طالب.
قال الرشيد: فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبي (صلى الله عليه وآله) والعم يحجب ابن العم وقبض النبي وتوفي أبو طالب قبله والعباس عمّه حي؟
فقال(عليه السلام): لقول أمير المؤمنين(عليه السلام): ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو أنثى لأَحد سهم إلاّ الأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب والسنّة، والنبي لم يورث من لم يهاجر.
فقال الرشيد: وما حجّتك؟
قال الإمام (عليه السلام): قوله تعالى: (وَالّذين آمنُوا وَلَم يُهاجِرُوا ما لَكُم مِنْ ولايَتِهِم مِن شيءٍ حتى يُهاجِرُوا)[1] والعباس لم يهاجر.
فقال الرشيد: هل أفتيت أحداً بذلك؟.
فقال الإمام (عليه السلام): اللّهم لا، وما سألني عنه أحد.
وقال الرشيد: فلِمَ جوّزتم للعامّة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)! وأنتم بنو علي، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنّما هي وعاء، والنبي جدّكم من قبل اُمّكم؟
فقال الإمام (عليه السلام): لو أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) خطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟
فقال الرشيد: سبحان الله! ولِمَ لا أُجيبه بل أفتخر على العرب والعجم.
فقال (عليه السلام): لكنّه لا يخطب إليَّ ولا أُزوجه، لأَنه ولدني ولم يلدك.
فقال الرشيد: أحسنت! فكيف قلتم إنكم ذرّية النبي، والنبي لم يعقب، وأنت ولد الابنة.
فقال الإمام (عليه السلام): (وَمِن ذُريَّتهِ داوُد وسُليمان وأيُّوبَ وَموسى وَهارُون وَكذلِكَ نَجزِي المُحسنينَ وَزَكريا وَيحيى وَعيسى وإلياس كُلُّ مِنَ الصالحينَ)[2]، فمن أبو عيسى؟
فقال الرشيد: ليس لعيسى أب.
فقال الإمام (عليه السلام): إنّما ألحقناه بذراري الأَنبياء: من طريق مريم (عليهم السلام)، ونحن اُلحقنا بذراري النبي (صلى الله عليه وآله) من قبل أُمّنا فاطمة (عليها السلام)، ألم يقل سبحانه وتعالى: (.. تَعالُوا نَدعُ أبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسنا وأنفُسكُم...)[3]، فأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة، وأنفسنا عليّ بن أبي طالب.
فقال الرشيد: أحسنت يا موسى! فارفع لنا حوائجك.
فقال (عليه السلام): أن تأذن لابن عمّك أن يرجع إلى حرم جده وعياله.
فقال الرشيد: لك ذلك.
مجلة اليقين، العدد (20)، الصفحة (8 - 9).