الأئمة المجتبون وهم شهداء الله عز وجل على خلقه

1 - عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَوْلَ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: (وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) قَالَ: (نَحْنُ الأُمَّةُ الْوَسَطُ ونَحْنُ شُهَدَاءُ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى عَلَى خَلْقِه وحُجَجُه فِي أَرْضِه). قُلْتُ قَوْلَه تَعَالَى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا واعْبُدُوا رَبَّكُمْ وافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وجاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهادِه هُوَ اجْتَباكُمْ)، قَالَ: (إِيَّانَا عَنَى ونَحْنُ الْمُجْتَبَوْنَ ولَمْ يَجْعَلِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فَالْحَرَجُ أَشَدُّ مِنَ الضِّيقِ: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً و(سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) الله سَمَّانَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ فِي الْكُتُبِ الَّتِي مَضَتْ وفِي هَذَا الْقُرْآنِ: (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) فَرَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) الشَّهِيدُ عَلَيْنَا بِمَا بَلَّغَنَا عَنِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى ونَحْنُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ فَمَنْ صَدَّقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَدَّقْنَاه ومَنْ كَذَّبَ كَذَّبْنَاه) [1].

الشرح:

قوله تعالى: (وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) قال الجوهري: الوسط من كلِّ شيء: أعدله، وقال ابن الأثير: كلُّ خصلة محمودة فلها طرفان مذمومان فإن السخاء وسط بين البخل والتبذير، والشجاعة وسط بين الجُبن والتهوُّر، والإنسان مأمور أن يتجنب كلَّ وصف مذموم وتجنّبه بالتعرِّي منه والبعد عنه.

ثم أنتقل إلى بيان معنى قوله تعالى: (هُوَ اجْتَباكُمْ)، فقد جاء في المعجم الوسيط الاجتباء:- مصدر اجتبى، واجتبى يجتبي، اجتبِ، اجتباءً، فهو مجتبٍ، والمفعول مجتبًى: واجتبى الشيءَ اصطفاه واختاره لنفسه: -وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ-.

وقد استخدمت كلمة الإجتباء في الأغلب للاصطفاء الإلهي للرسل(عليهم السلام)، حيث قال الله سبحانه: (وَلكِنَّ الله يَجْتَبِي مِن رُسُلِهِ مَن يَشَآءُ)[2].

وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، أنه قال: (كان علي بن الحسين (عليه السلام) يسجد في سورة مريم حين يقول: وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً. ويقول: نحن عنينا بذلك، ونحن أهل الجبوة والصفوة).

وقوله تعالى: (هُوَ اجْتَباكُمْ)، أي اختاركم لدينه واصطفاكم لنصرته.

فقال (عليه السلام): ((إِيَّانَا عَنَى) أي إيّانا أراد بهذا الخطاب والحصر باعتبار أنَّ الإرادة تعلّقت بهم أوَّلاً وبالذَّات وإن تعلّقت بغيرهم ثانياً وبالعرض.

(ونَحْنُ الْمُجْتَبَوْنَ): من قبل (أي في الكتب التي مضت) وفي هذا (أي القرآن).

وهناك أحاديث تدل على أن الشيعة أيضاً مجتبون، ففي الحديث المأثور عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، في تفسير قوله سبحانه: (مِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا)، قال:(فهم والله شيعتنا الذين هداهم الله لمودتنا واجتباهم لديننا فحيوا عليه وماتوا عليه، وصفهم الله بالعبادة والخشوع ورقة القلب). ولكن للاجتباء درجات كلٌ بحسب درجة إيمانه.


2- عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ: (إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى طَهَّرَنَا وعَصَمَنَا وجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِه وحُجَّتَه فِي أَرْضِه وجَعَلَنَا مَعَ الْقُرْآنِ - وجَعَلَ الْقُرْآنَ مَعَنَا لَا نُفَارِقُه ولَا يُفَارِقُنَا)[3].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى طَهَّرَنَا وعَصَمَنَا)، أي طهّرنا عن الأدناس وعصمنا من الأرجاس كما قال جلَّ شأنه: (إنّما يُريد الله ليُذهب عنكم الرِّجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً) لاتّفاق الأمّة إلّا مَن شذَّ على أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام).

قوله (عليه السلام): (وجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِه وحُجَّتَه فِي أَرْضِه)، كما قال جلّ شأنه (لتكونوا شهداء على الناس) وقال: (لئلا يكون للنّاس على الله حُجّة).

قوله (عليه السلام): (وجَعَلَنَا مَعَ الْقُرْآنِ) كما قال (عليه السلام): (إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وهما لا يفترقان حتّى يرداً عليَّ الخوض).

مجلة بيوت المتقين العدد (45)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص191.

[2] آل عمران: 179.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج ١، ص ١٩١.