كراماته (عليه السلام)

  •  رُوي أنه (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي أمَه فيُلقي إليها ما حفظه، وكلما دخل عليٌ (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل، فيسألَها عن ذلك، فقالت: من ولدك الحسن (عليه السلام)، فتخَفَّى يوما في الدار فدخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها، فارتج[1]، فعجبت أمه من ذلك، فقال: لا تعجبي يا أماه فإن كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني، فخرج عليٌ فقَبَّله، وفي رواية أنه قال: يا أماه قَلَّ بياني وكلَّ لساني، لعل سيداً يرعاني[2].
  • ومن كراماته (عليه السلام) ما عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: خرج الحسن بن علي (عليهما السلام) في بعض عُمَرِه، ومعه رجل من ولد الزبير، كان يقول بإمامته، فنزلوا من تلك المناهل تحت نخل يابس قد يبس من العطش، ففرش للحسن (عليه السلام) تحت نخلة، وللزبيري تحت أخرى،

فقال الزبيري: لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه.

فقال له الحسن (عليه السلام): وإنك لتشتهي الرطب؟

 فقال الزبيري: نعم.

فرفع يده إلى السماء فدعا بكلام لم أفهمه، فاخضرَّت النخلة، ثم صارت إلى حالها، وأورقت، وحملت رطبا، فقال الجمَّال الذي اكتروا منه: سِحرٌ والله.

فقال له الحسن (عليه السلام): ويلك ليس بسحر، ولكن دعوة ابن نبي مستجابة، فصعدوا، وصرموا ما كان في النخلة وكفاهم[3].

والعجب من قوم اعترفوا بأن الحسن والحسين (عليهما السلام) ممن نزلت فيهم آية التطهير، واختارهما النبي (صلى الله عليه وآله) للمباهلة التي هي من أعظم الآيات لإبطال النصرانية، وإحقاق الإسلام، ومن أظهر البينات لإثبات مَن يكون وجيها عند الله بإجابة الدعاء، إذ أنهما اللذان أرادهما الله تعالى من كلمة الجمع في قوله:( أَبْنَاءَنَا) [4] في آية المباهلة، وأنهما من آل محمد (صلى الله عليه وآله) الذين يُصلَّى عليهم في كل الصلوات، وأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وأنهما بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)[5]، وأنهما ريحانتاه[6]، وأنهما أحبُّ أهل بيته إليه[7]، وأن الله زيّن الجنة بهما[8]، وأنهما خير الناس جدا وجدة وأبا وأما[9]، وأنهما سبطا هذه الأمة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) ورّثهما سيادته وجوده وشجاعته، وغير ذلك مما جاء في مناقبهما من الفضائل الخَلْقية والخُلُقية والعِلمية والعَملية، مما ملأت كتب التفسير والحديث والرجال والتاريخ، ومع ذلك جَوّزوا استبدال الحسن (عليه السلام) بمعاوية، والحسين (عليه السلام) بيزيد، بملاك بيعة الأكثرية الذين لا يعقلون! لقد أخذوا ما استندوا إليه عن معاوية، حيث قال للحسن بن علي (عليهما السلام): أنا خير منك يا حسن.

قال: وكيف ذلك يا بن هند،

قال: لأن الناس قد أجمعوا عَلَيّ ولم يُجمعوا عليك.

قال(عليه السلام): هيهات، هيهات، لَشَرَّ ما علوتَ يا بن آكلة الأكباد، المجتمعون عليك رَجُلان، بين مُطيع ومُكْرَه، فالطائع لك عاص لله، والمُكرَه معذور بكتاب الله، وحاش لله أن أقول: أنا خير منك، فلا خير فيك، ولكن الله بَرَّأني من الرذائل كما بَرَّأك من الفضائل[10].

فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون من أمة تركت مَن كَرّمهم الله تعالى واختارت الطلقاء والأدعياء بدلاً عنهم.

  • ونقل ابن أبي الحديد عن أبي الفرج الأصفهاني[11]: خطب معاوية بالكوفة حين دخلها، والحسن والحسين (عليهما السلام) جالسان تحت المنبر، فذكر عليا (عليه السلام)، فنال منه، ثم نال من الحسن (عليه السلام)، فقام الحسين (عليه السلام) لِيرُدَّ عليه، فأخذه الحسن (عليه السلام) بيده فأجلسه، ثم قام (عليه السلام) فقال: أيُّها الذاكرُ عليا، أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله، وجدك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخْمَلَنا ذِكْرا وَأْلَأمَنا حَسَبا، وشَرَّنا قديما وحديثا، وأَقدَمَنا كُفرا ونِفاقا، فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين. قال الفضل: قال يحيى بن معين وأنا أقول آمين.

 


[1]  أي: لم يستطع الكلام.

[2] المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص6, 7.

[3]  الكافي: ج1 ص462.

[4] سورة آل عمران: 61.

[5] الكافي: ج1ص462.

[6] فضائل الصحابة: ص20، صحيح البخاري: ج 4 ص 217 باب مناقب الحسن والحسين.

[7] الجامع الصغير: ج 1 ص37، ذخائر العقبى: ص122، سنن الترمذي: ج 5 ص323.

[8] مجمع الزوائد: ج9 ص184، المعجم الأوسط: ج1 ص108 وج7 ص 148، كنز العمال: ج12 ص121، تاريخ بغداد: ج2 ص235، تاريخ مدينة دمشق: ج 13 ص 228، أسد الغابة: ج1 ص178.

[9] مجمع الزوائد: ج9 ص184، المعجم الأوسط: ج6 ص298، المعجم الكبير: ج3 ص67.

[10] مناقب آل أبي طالب: ج4 ص22.

[11] مقاتل الطالبين: ص46.