طوعة الوفاء

لماذا وقف السفير عند باب طوعة؟

هل كان مسلم بن عقيل يعرف إن في هذا البيت الوفاء الذي سيجل اسم امرأة على جبين التأريخ؟

هل كان يعرف وراء هذه الباب الركن الشديد الذي يزرع في نفسه الاطمئنان للوحيد الغريب؟

كانت طوعة تنتظر ابنها، حينما طلب منها سفير الحسين (عليه السلام) شيئاً من الماء فسقته ماء الوفاء، فشرب وارتوى، وبقي مشدوداً إلى ذلك الباب، كأنما صار باب الجنة، تزيّن المكان بحروف تتوجه إلى السفير أن لا يقف على باب الدار رعاية لحرمتها، وكيف يترك باباً هو هدية السماء، بدأ يكشف هويته من بعيد، أنه غريب عن هذه البلدة، وأنه من عشيرة لها منزلة عن الله، حتى صرّح لها باسمه - مسلم بن عقيل - الرجل الذي تطلبه سلطة الكوفة بأي ثمن.

لقد أصبحت حياتها في خطر، تستطيع أن تكسب حياتها، ولها ألف مبرر ومبرر، فهي امرأة عجوزا لا طاقة لها بهكذا مسؤولية، وما عجز عنه الرجال تُعذر فيه النساء، لكنها لم تأخذ بتلك الرخص الاجتماعية، وربطت حياتها بحياة هذا الواقف يحمل رسالة السماء.

أدخلته بيتها ودخلت هي التأريخ، بعنوان الولاء والوفاء والشجاعة والموت دفاعاً عن البيت العلوي، المطهر من كل رجس تطهيراً.

لم تكن كأحد الرجال في مثل هكذا موقف، يفكر ماذا يفعل ويأخذه الوقت في ترجيح خيار على خيار، بل اتخذت أصعب وأصوب القرارات بلا تردد، نعم قررت أن تحرز مرتبة الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.

إن هذه المرأة المؤمنة مع أنها ضمنت الفوز العظيم، هي قد أخبرت الأجيال عبر التأريخ بخسة أولئك الرجال المجرمين الذين شاركوا في جريمة اغتيال مسلم بن عقيل، وهي قد رسمت لنساء المسلمين الطريق الواضح إلى الرضوان والزلفى عند الملك الحنان.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (54)