وقع الخلاف بين المؤرّخين في موضع دفن الرأس المطهَّر للإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام) هل هو في: كربلاء، أم النجف الاشرف عند أمير المؤمنين (عليه السلام) أم دمشق، أم القاهرة.. أم غيرها؟ وإن كان المشهور تاريخياً والذي تؤكده روايات مهمة أن الراس الشريف أرجع إلى الجسد الطاهر ودفن معه.
ولعلّ السبب في هذا الاختلاف أنّ السلطة الأُموية الغاشمة أمَرَت بأن يُطاف بالرؤوس الشريفة لشهداء كربلاء في البلدان كما تنصّ على ذلك كتب التاريخ ففي كلّ موضعٍ وُضع رأس سيد الشهداء سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ حُمل إلى مكانٍ آخر، اتّخذ المؤمنون الموالون في هذا الموضعٍ مَقاماً يرمز إلى التضحية والجهاد وإلى ظليمة آل البيت (عليهم السلام)، والكلام في هذا العدد بقوته تعالى حول مسجد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) في القاهرة بمصر.
مسجد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) يقع في القاهرة القديمة في الحي الذي سمي باسم الإمام الحسين وبجوار المسجد أيضاً يوجد خان الخليلي الشهير والجامع الأزهر.
تاريخ المسجد:
بني المسجد في عهد الفاطميين سنة 549 هجرية الموافق لسنة 1154 ميلادية تحت إشراف الوزير الصالح طلائع، ويضم المسجد 3 أبواب مبنية بالرخام الأبيض تطل على خان الخليلي، وبابًا آخر بجوار القبة ويعرف بالباب الأخضر.
مراحل العمار والتوسعة:
لقد مر هذا المسجد بمراحل متعددة من الإعمار والتوسعة مؤكداً بذلك على أهميته في نفوس الناس ومكانته الكبيرة لديهم، شأنه شأن كثير من المباني العمرانية التي تنتسب لهذا البيت الطاهر والتي تمثل مظهراً من مظاهر التكريم الإلهي لهم في الدنيا، فضلاً عن كرامتهم الكبرى عند الله تعالى، ونحن في هذا المختصر نعرض مراحل التطور الذي شهده هذا المسجد فنقول:
في سنة 634 هـ أنشأ أبو القاسم ابن يحيى بن ناصر السكري منارة على باب المشهد والمتبقي اليوم قاعدتها وعليها ما نصّه: (بسم الله الرحمن الرحيم: الذي أوصى بإنشاء هذه المأذنة المباركة على باب مشهد السيد الحسين تقرباً إلى الله ورفعاً لمنار الإسلام الحاج إلى بيت الله أبو القاسم ابن يحيى بن ناصر السكري المعروف بالزرزور تقبل الله منه وكان المباشر بعمارتها ولده لصلبه الأصغر الذي أنفق عليها من ماله بقية عمارتها خارجاً عما أوصى به والده المذكور وكان فراغها في شهر شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة).
وفي سنة 640 هـ احترق المشهد في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب بسبب أن أحد خزّان الشمع دخل ليأخذ شيئاً فسقطت منه شعلةً، فوقف الأمير جمال الدين نائب الملك الصالح بنفسه حتى أطفىء كما يرويه المقريزي.
وفي سنة 662 هـ زاد فيه الملك الظاهر ركن الدين بيبرس المملوكي، وفي سنة 684 هـ بنى فيه الملك الناصر محمد بن قلاوون إيواناً وبيوتاً للفقهاء العلوية.
وفي سنة 740 هـ احترق المشهد كما نقله جرجي زيدان فأعيدَ بناؤه.
وفي سنة 1004هـ أمر السلطان سليم العثماني بتوسيع المسجد فاستمر حتى عام 1006 هـ.
وفي سنة 1175هـ قام الأمير عبد الرحمن كتخدا بإعادة بناء المسجد الملحق بالروضة وأضاف إليه إيوانين ورتب للسدنة مرتبات.
وفي سنة 1279هـ زار السلطان عبد العزيز العثماني الروضة الحسينية وأمر الخديوي أن يقوم بالعمارة التي استمرت حتى عام 1290هـ.
وفي سنة 1290 هـ أضاف عباس حلمي الثاني قاعة الآثار النبوية إليه.
وفي سنة 1372 هـ - 1953م وسعت الحكومة المصرية المساحة المحيطة بالروضة والمسجد حتى بلغت المساحة الكلية لها: 3340 متراً مربعاً.
وفي سنة 1385 هـ - 1965م في أول شوال أهدت طائفة البهرة الإسماعيلية مقصورة شبّاك من الفضّة المرصّعة بفصوص من الألماس إلى المشهد الشريف وقد رأيت حجراً تذكارياً منصوباً هناك يفيد ذلك.
وصف المبنى:
وقد أطالت الدكتورة المعاصرة سعاد ماهر في وصف الروضة والمسجد بما لا يستغنى عنه، ومما قالت ما نصه: وبالجامع منبر خشبي بديع مطلّي بطلاء مذهب وهو في الأصل منبر جامع ازبك الذي كان عند العتبة الخضراء. فلّما تخرب المسجد نقل إلى مشهد الحسين، وفي مؤخرة المسجد دكة تبليغ كبيرة، أما صحن الجامع فيحتوي على أربعة وأربعين عموداً عليها بوائك حاملة للسقف. وهو من الخشب المطلي بزخارف نباتية وهندسية متعددة الألوان ومذهبة غاية في الدقة والإبداع وفي وسط السقف ثلاث منائر مرتفعة مسقوفة كذلك. وفي جدران المسجد الأربعة يوجد ثلاثون شباكاً كبيراً من النحاس المطلي بالذهب يعلوها شبابيك أخرى صغيرة دوائرها من الرخام. وللمسجد مئذنتان إحداهما قصيرة وقديمة وهي التي بناها أبو القاسم ابن يحيى بن ناصر السكري المعروف بالزرزور سنة 634 هـ ( 1236م) فوق القبّة وقد طوقتها جمعية حفظ الآثار بحزامين من الحديد محافظة على بقائها، أما المئذنة الثانية فتقع في مؤخر المسجد وهي مرتفعة ورشيقة على الطراز العثماني الذي يشبه المسلة أو القلم الرصاص وعليها لوحان بخط السلطان عبد المجيد خان كتبهما سنة 1366هـ أحدهما من سورة الأنعام الآية :90 (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمينَ) .
وآخر (أحب أهل بيتي إليّ الحسن والحسين).
وقالت أيضاً: في سنة 1953 م عنيت الحكومة آنذاك عناية خاصة بتجديد مسجد الحسين (عليه السلام) وزيادة مساحته وفرشه وإضاءته حتى يتسع لزائريه والمصلين به . فقد كان المسجد القديم يضيق بهم وخاصةً في المواسم والأعياد فزيدت مساحته حتى بلغت مساحته 3340 متراً مربعاً بعد أن كانت 1500 متراً أي بإضافة 1840 متراً مربعاً إليه.
يشتمل المبنى على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية ومحرابه بني من قطع صغيرة من القيشاني الملون بدلا من الرخام وهو مصنوع عام 1303 هـ وبجانبه منبر من الخشب يجاوره بابان يؤديان إلى القبة وثالث يؤدي إلى حجرة المخلفات التي بنيت عام 1311 هـ. والمسجد مبني بالحجر الأحمر على الطراز الغوطي أما منارته التي تقع في الركن الغربي القبلي فقد بنيت على نمط المآذن العثمانية فهي اسطوانية الشكل ولها دورتان وتنتهي بمخروط. وللمسجد ثلاثة أبواب من الجهة الغربية وباب من الجهة القبلية وباب من الجهة البحرية يؤدي إلى صحن به مكان الوضوء.
المصدر: بيوت المتقين (16) - شهر محرم 1436هـ