بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.
قال تعالى: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السّماواتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَ أَنْفُسَكُمْ) [1].
عُرِف المجتمع الجاهلي ببعض العادات والتقاليد السيئة، من عبادة الأوثان، ووأد البنات، وارتكاب الزنا وغيرها، وهي عادات وتقاليد قضى عليها الإسلام بعد مجيئه، ونهى عنها أشد النهي، لكن نجد بالمقابل أن بعض العادات والتقاليد التي كانت سائدة فيهم كانت حسنة، كما في آداب الضيافة، وتحريمهم لنكاح الأمهات والبنات، واحترامهم للجيران، ووفاءهم للعهود والمواثيق وغيرها، وعندما جاء الإسلام، وبزغ نوره، أقرَّ الكثير من تلك الصفات الحسنة، وأضفى عليها تشريعاً خاصاً بها، لأنها صفات تدعو لها الفطرة السليمة، والأعراف الطيبة.
ومن بين تلك العادات الحسنة التي كانت سائدة فيهم، تحريمهم للقتال في الأشهر الحرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، والتي حُرِّمَ فيها القتال منذ عهد النبي إبراهيم(عليه السلام)، وكان هذا التحريم نافذاً حتى زمن الجاهلية، فكانت العرب تعطي لها حرمة واحتراماً، فتضع الحرب أوزارها، ولا يُقاتل أحدٌ أحداً، ولا يرفعون فيها السلاح، إلّا إذا تعرضوا لعدوان، فإنهم يردّون العدوان ولو في تلك الأشهر الحرم.
وقد أولاها الإسلام أيضاً حرمة، واعتنى بها، بل إن الإسلام قد شدّد فيها الدية الشرعية في صورة القتل، كما أن الكتاب العزيز أشار إلى حرمة ابتداء قتال الأعداء في هذه الأشهر، ولزوم مقاتلتهم إذا نقضوا حرمة هذه الأشهر، وبدأوا القتال فيها، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)[2]، وقد روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: (الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ: رَجَبٌ مُفْرَدٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَمُحَرَّمٌ، مُتَّصِلَةٌ، حَرَّمَ اللهُ فِيهَا الْقِتَالَ، وَ يُضَاعَفُ فِيهَا الذُّنُوبُ، وَكَذَلِكَ الْحَسَنَاتُ)[3].
فالمناسب جداً -ونحن في أحد تلك الأشهر الحرم- أن يحفظ المسلمون حرمة وقدر هذه الأشهر الأربعة المباركة، وأن يحقنوا فيها دمائهم، ويتقربوا فيها لله تعالى بصالح أعمالهم، والله غنيٌ حميد.
مجلة اليقين العدد (31)