الأئمة شهداء الله عز وجل على خلقه

1- عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) قَالَ: (نَزَلَتْ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) خَاصَّةً فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنْهُمْ إِمَامٌ مِنَّا شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ ومُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله) شَاهِدٌ عَلَيْنَا) [1].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنْهُمْ)، القرن: أهل كلِّ زمان وهو مقدار التوسّط في أعمار أهل كلِّ زمان، وقيل: القرن: أربعون سنة. وقيل: ثمانون. وقيل: هو مطلق من الزَّمان.

قوله (عليه السلام): (شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ)، في يوم القيامة بما علم منهم من خير وشرّ كما أنَّ عليهم شاهداً من الملائكة والأعضاء لقوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[2].

قوله (عليه السلام): (شَاهِدٌ عَلَيْنَا)، الظاهر أنَّ المراد بضمير المتكلّم الأئمة (عليه السلام) واحتمال إرادة جميع الأمّة بعيد، وإن كانت هي مطّلعة على جميع أفعال الأُمم من خير أو شرّ قطعاً.

وأمّا فائدتها فلأنَّ الناس إذا علموا أنَّ عليهم شهيداً ورقيباً وكتاباً لما يفعلون كان ذلك أدعى لهم إلى الطاعة والقربات وأمنع لهم عن المعصية والشهوات لاحترازهم عن الافتضاح في محفل القيامة على رؤوس الأشهاد.

2 - عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)، قَالَ: (نَحْنُ الأُمَّةُ الْوُسْطَى ونَحْنُ شُهَدَاءُ الله عَلَى خَلْقِه وحُجَجُه فِي أَرْضِه) قُلْتُ قَوْلُ الله عَزَّ وجَلَّ: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ)، قَالَ: (إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)، فِي الْكُتُبِ الَّتِي مَضَتْ وفِي هَذَا الْقُرْآنِ: (لِيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)، فَرَسُولُ الله (عليه السلام) الشَّهِيدُ عَلَيْنَا بِمَا بَلَّغَنَا عَنِ الله عَزَّ وجَلَّ ونَحْنُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ فَمَنْ صَدَّقَ صَدَّقْنَاه يَوْمَ الْقِيَامَةِ ومَنْ كَذَّبَ كَذَّبْنَاه يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [3].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (نَحْنُ الأُمَّةُ الْوُسْطَى)، أي نحن أشرف الأُمم وأفضلها وأخيرها وأعدلها.

ثم قال (عليه السلام): (ونَحْنُ شُهَدَاءُ الله عَلَى خَلْقِه وحُجَجُه فِي أَرْضِه)، فهم الصفوة المختارة وحججه في أرضه فهم شهداء لله على جميع الخلق بما دانوا وما فعلوا، وروى الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي وهو من علماء المذاهب الأربعة عن ابن عباس: (أنَّ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأولاده هم الشهداء عند ربّهم)، قال ابن عباس: (هم شهداء الرُّسل على أنّهم قد بلّغوا الرِّسالة ولهم أجرهم).
ثم سأله الراوي عن قوله تعالى: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ)، فقال (عليه السلام): (إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً)، أي إيّانا عني بهذا الخطاب خاصّة لا جميع الأُمّة كما زُعم باعتبار أنَّ إبراهيم كان أباً لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقوله (عليه السلام): (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) من قبل القرآن في الكتب الّتي مضت (وفِي هَذَا الْقُرْآنِ) عطف على قوله (مِنْ قَبْلُ) والضمير لله تعالى كما صرَّح به المفسّرون وقالوا يدلُّ عليه أنّه قرأ: (الله سمّاكم).

وقوله (عليه السلام): (لِيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) فرسول الله هو الشهيد يوم القيامة، أو في هذه الدَّار أيضاً.

وقوله (عليه السلام): (بِمَا بَلَّغَنَا)، أي بما بلّغنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه جلَّ شأنه أو بما بلّغنا الأئمّة (عليه السلام) بتوسّطه عن الله جلَّ شأنه.

وقوله (عليه السلام): (ونَحْنُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ) بتبليغ الرُّسل إليهم، وطاعة الناس وتصديقهم للرسل، أو عصيانهم وتكذيبهم.

وقوله (عليه السلام): (فَمَنْ صَدَّقَ صَدَّقْنَاه يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، أي فمن صدَّقنا في الإمامة والعقائد وفي كلِّ ما نقول صدَّقناه يوم القيامة فيما يدَّعيه من العقائد المستقيمة والأعمال الصالحة وغيرها من الأمور النافعة.

وقوله (عليه السلام): (ومَنْ كَذَّبَ كَذَّبْنَاه يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، أي فمن كذبنا وخالفنا في الدنيا، كذبناه يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين.

مجلة بيوت المتقين العدد (44)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص190.

[2] سورة النور: آية 24.

[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص190.