أثيرت مسألة خلق القرآن - هو مخلوق أم غير مخلوق - في العصر العباسي، وتركّز النزاع فيها واحتدم في عصر المأمون، فخاض العلماء من مختلف المذاهب والفرق في هذا الموضوع، وحدثت ضجّةٌ كبيرةٌ، ونقاشٌ واسعٌ استمر زمناً طويلاً، وتولّدت منها مشكلة وفتنة عمَّت العلماء وأَصحاب الرأي في مختلف البلاد الإسلامية.
ورغم أَن المسألة عقائدية إِلا أَنها اتجهت إِلى العنوان السياسي، خصوصاً أَن البلاط العباسي اتبع سياسة الحوار العقائدي للقضاء على عناوين المعارضة، وخصوصاً المعارضة الشيعية، فكان المأمون يثير الجدل في بين أَقطاب الآراء الخلافية في عقائد المسلمين، فقد أَثار مسألة أَحقية الخلافة بحضور الإِمام الرضا (عليه السلام)، وكان هدفه إِحراج الإِمام (عليه السلام) ومن ثمَّ النَّيل منه. وعلى أيِّ حال: إِن هذه المسألة دخلت البحث العقائدي بغض النظر عن تداعياتها في ذلك الزمان، وما يهمنا الآن هو أننا نريد أن نعرف رأي أئمتنا (عليهم السلام) في المسألة، وما هو الخلاف الرئيس بين موقف الإمامية وموقف الأشاعرة؟
أما موقف الأشاعرة: فإنهم يقولون بخلق الأَلفاظ، أَما المعاني فيقولون أَنها غير مخلوقة، وسموها بالكلام النفسي، ويستدلون لذلك:
أن كل متكلم قبل أن يطلق الأَلفاظ ويتلفظ بها، توجد في داخله قبل التَّلفّظِ معانٍ في ذهنه، وهذه المعاني الذهنية يقولون عنها أنها غير مخلوقة.
وهذه القول مردودٌ ومرفوضٌ: لأَنه يلزم منه وجود شيءٍ غير مخلوق مع اللهِ تعالى، وهو القولُ بالشِّرك.
أما الإمامية: فرأيهم رأي أئمتهم (عليهم السلام)، فقد جاء عن الإمام الحسن الزكي العسكري (عليه السلام) لما سُئل عن القرآن وانه مخلوقٌ أم غير مخلوقٌ؟ فقال (عليه السلام) للسائل: «يا أَبا هاشِم، اللهُ خَلَقَ كلَّ شيءٍ، وَمَا سِواهُ مَخْلوقٌ»[1].
وسُئل الإِمام الصادق (عليه السلام): جُعلت فداك، اختلف الناس في القرآنِ، فزعم قومٌ أَنَّ القُرآن كلامُ اللهِ غير مخلوق، وقال آخرون: كلامُ اللهِ مخلوقٌ، فكتب (عليه السلام): «القُرآن كلام الله، مُحدَثٌ غيرُ مخلوقٍ، وغيرُ أَزلي مع الله تعالى ذكره...»[2].
وقال الشيخ الصدوق في توحيدهِ(ص156): «قد جاء في الكتاب أَن القرآن كلام الله ووحي الله وقول الله وكتاب الله، ولم يجئ فيه أنه مخلوق، وإنما امتنعنا من أطلاق المخلوق عليه، لأن المخلوق في اللغة قد يكون مكذوباً، ويقال: كلام مخلوق أي مكذوب، قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوثَاناً وَتَخلُقُونَ إِفكاً)[3]، أَي: كذباً».
وقال عز وجل حكاية عن منكري التوحيد: (مَا سَمِعنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ إِن هَذَا إِلاَّ اختِلاَقٌ)[4]، أَي: افتعال وكذب.
ومن قال: إنه غير مخلوق بمعنى أنه غير مكذوب فقد صدق وقال الحق والصواب، ومن زعم أنه غير مخلوق بمعنى أنه غير محدث وغير منزل وغير محفوظ فقد أخطأ وقال غير الحق والصواب.
مجلة اليقين العدد (26)