شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

يعتبر الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) الإمامَ الممهد لمرحلة جديدة من حياة المسلمين لم يعهدها أتباع أهل البيت (عليهم السلام) من قبل.. مرحلة وجود القائم المصلح (عليه السلام) الذي يقيم العدل الإلهي في الأرض، ومرحلة انقطاع اختلاط الإمام المعصوم بالناس..

وعلى الرغم من التعقيدات الكثيرة والمكائد الذميمة التي حيكت تجاه الإمام العسكري (عليه السلام)، فقد استطاع بحكمته القدسية وبصيرته النافذة - مضافا إلى قيامه بأعباء الإمامة بعد أبيه (عليه السلام) - أن يحقق على أَرض الواقع أمل المستضعفين في الأرض والوعد الرباني لعباد الله الصالحين.

ولد الإمام العسكري (عليه السلام) في المدينة المنورة في العاشر من ربيع الثاني سنة 232هـ على المشهور، وقد ارتحل مع أبيه (عليه السلام) إلى مدينة سامراء حين أشخصه المتوكل العباسي إليها بسبب خوفه من التفاف الناس حول الإمام الهادي (عليه السلام)، وقد اشتهر الإمام الحسن علي (عليهما السلام) بعد ذلك بلقب العسكري نسبة إلى مدينة سامراء التي سكنها، والتي كانت تسمى آنذاك بعسكر، ومن ألقابه الاخرى: الصامت والهادي والرفيق والزكي والنقي، وكانت تعكس هذه الألقاب الخصال الحميدة التي تجلّت في حياته للناس.

قبسات من حياته (عليه السلام):

لقد عانى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - شأنه شأن أبيه (عليه السلام) - الأمرّين من حكام بني العباس، حيث ضيّقوا عليه وأكثروا من حبسه وانتهاك حرمته، وتربصوا به أن يموت في الكثير من تلك المواضع، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، حيث بقي الإمام ثابتا على سيرته الشريفة وهيبته المعهودة، لم يتزلزل ولم يتململ، حتى قال فيه أَحد أعدائه: ما رأيت ولا عرفت رجلا بسر من رأى من العلويين مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) في هديه وسكونه وعفافه ونبالته وكرمه..

وقد أجرى الله تعالى على يديه أمام المخالف والمؤالف الكثير من الكرامات الباهرة والآيات الظاهرة التي نطقت بها كتب التاريخ والسير، روي من ذلك أن العباسيين اقبلوا على صالح بن وصيف عندما حبس الإمام (عليه السلام) عنده وقالوا له: ضيّق عليه ولا توسع، فقال صالح: ما أصنع به؟ وقد وكلت به رجلين شرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم.

ثم أمر بإحضار الموكلين به فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمع العباسيون ذلك أنصرفوا خائبين. [1]

وروي انه (عليه السلام) سُلّم إلى حبّاس يقال له نحير، فكان يضيق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته: اتق الله فإنك لا تدري من في منزلك، وذكرت له صلاحه وعبادته، وقالت: إني أخاف عليك منه، فقال: والله لارمينه إلى السباع، ثم استأذن الخليفة في ذلك فأذن له، فرمى به إليها ولم يشكّوا في هلاكه، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجدوه قائما يصلي والسباع حوله، فأمر بإخراجه إلى داره[2].

وعن علي بن شابور قال: قحط الناس بسر من رأى في زمن الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) فأمر المتوكل بالاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فما سقوا، وخرج الجاثليق في اليوم الرابع مع النصارى والرهبان، وكان فيهم راهب فلما مد يده هطلت السماء بالمطر، وخرجوا في اليوم الثاني فمطرت السماء، فشك أكثر الناس وتعجبوا ومالوا إلى دين النصرانية، فأنفذ المتوكل إلى الحسن العسكري (عليه السلام) -وكان محبوسا فأخرجه من الحبس- وقال: إلحق أمة جدك (صلى الله عليه وآله) فقد هلكت. فقال (عليه السلام): (إني خارج ومزيل الشك إن شاء الله تعالى) فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه، وخرج الحسن (عليه السلام) في نفر من أصحابه، فلما بصر بالراهب قد مد يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين أصابعه، ففعل وأخذ منه عظما أسودا، فأخذه الحسن (عليه السلام) وقال له استسق الآن فاستسقى، وكان في السماء غيمٌ فتقشع الغيم وطلعت الشمس بيضاء، فقال المتوكل: ما هذا العظم يا أبا محمد؟ فقال (عليه السلام): (إن هذا الرجل مرّ بقبر من قبور الأنبياء فوقع في يده هذا العظم، وما كشف عن عظم نبي إلا هطلت السماء بالمطر)[3].

ولا يزال أعداء الإمام النواصب على هذا الحال تجاهه حتى دسّ إليه المعتمد العباسي السمّ، فإذا بالإمام في علة منذ أول شهر ربيع الأول إلى أَن قبضه الله تعالى بعد أيام قلائل شهيدا مظلوما قد أكمل من عمره تسعاً وعشرين سنة، قال محمد بن الحسن بن عباد: مات أبو محمد (عليه السلام) يوم الجمعة مع صلاة الغداة، وكان في تلك الليلة قد كتب كتبا كثيرة إلى المدينة، وذلك في شهر ربيع الأول لثمان خلون منه سنة ستين ومائتين من الهجرة، ولم يحضره إلا صقيل الجارية وعقيد الخادم والقائم (عليه السلام)، فدعا بماء قد غلى بالمصطكي، فجئنا به إليه فقال: (ابدؤوا بالصلاة فوضئوني)، فجئنا بالمنديل فبسطناه في حجره، وأخذ ابنه الماء من صقيل فغسل به وجهه وذراعيه مرة مرة، ومسح على مقدمة رأسه وظاهر قدميه مسحا، وصلى صلاة الصبح على فراشه، وأخذ القدح ليشرب وجعل القدح يضطرب ويضرب ثناياه ويده ترتعش، فأخذت صقيل القدح من يده ومضى (عليه السلام) من ساعته[4].

كلامهم نور:

روي عن الامام العسكري (عليه السلام) قوله: (خير إخوانك من نسي ذنبك وذكر إحسانك إليه)[5].

وقال (عليه السلام): (من آنس بالله استوحش الناس، وعلامة الانس بالله الوحشة من الناس)[6].

وقال (عليه السلام): (جعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها)[7].

وقال (عليه السلام): (الجهل خصم، والحلم حكم، ولم يعرفْ راحةَ القلوب من لم يجرّعه الحلُم غصصَ الغيظ)[8].

وقال (عليه السلام): (المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره، ولا تدفع بالإمساك عنها)[9].

زيارة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْهادِيَ الْمُهْتَدِيَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَابْنَ اَوْلِيآئِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَابْنَ حُجَجِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيّ اللهِ وَابْنَ اَصْفِيآئِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خَليفَةَ اللهِ وَابْنَ خُلَفائِهِ وَاَبا خَليفَتِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ خاتَمِ النَّبِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الاْئِّمَةِ الْهادينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الاْوْصِياءِ الرّاشِدينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عِصْمَةَ الْمُتَّقينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اِمامَ الْفائِزينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رُكْنَ الْمُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا فَرَجَ الْمَلْهُوفينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ الاْنْبِياءِ الْمُنْتَجَبينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خازِنَ عِلْمِ وَصِي رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الدّاعي بِحُكْمِ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا النّاطِقُ بِكِتابِ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ الْحُجَج، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا هادِيَ الاْمَم، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ النِّعَم، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْبَةَ الْعِلْمِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَفينَةَ الْحِلْم، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبَا الاْمامِ الْمُنْتَظَرِ، الظّاهِرَة لِلْعاقِلِ حُجَّتُهُ، وَالثّابِتَةِ فِي الْيَقينِ مَعْرِفَتُهُ، الْمحْتَجَبِ عَنْ اَعْيُنِ الظّالِمينَ، وَالْمُغَيِّبِ عَنْ دَوْلَةِ الْفاسِقينَ، وَالْمُعيدِ رَبُّنا بِهِ الاْسْلامَ جَديداً بَعْدَ الاْنْطِماسِ، وَالْقُرْآنَ غَضّاً بَعْدَ الاْنْدِراسِ، اَشْهَدُ يامَوْلايَ اَنَّكَ اَقَمْتَ الصّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَدَعَوْتَ اِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى أتاك الْيَقينُ، اَسْأَلُ اللهَ بِالشَّأنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ اَنْ يَتَقَبَّلَ زِيارَتي لَكُمْ، وَيَشْكُرَ سَعْيي اِلَيْكُمْ، وَيَسْتَجيبَ دُعائي بِكُمْ، وَيَجْعَلَني مِنْ اَنْصارِ الْحَقِّ وَاَتْباعِهِ وَاَشْياعِهِ وَمَواليهِ وَمُحِبّيهِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

ثم قبل ضريحه وضع خدك الأيمن عليه ثم الأيسر وقل:

اَللّـهُمّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَلِّ عَلى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْهادِي اِلى دينِكَ، وَالدّاعي اِلى سَبيلِكَ، عَلَمِ الْهُدى، وَمَنارِ التُّقى، وَمَعْدِنِ الْحِجى، وَماْوَى النُّهى، وَغَيْثِ الْوَرى، وَسَحابِ الْحِكْمَةِ، وَبَحْرِ الْمَوْعِظَةِ، وَوارِثِ الاَئِمَّةِ وَالشَّهيدِ عَلىَ الاْمَّةِ، الْمَعْصُومِ الْمُهَذّبِ، وَالْفاضِلِ الْمُقَرَّبِ، وَالْمُطَهَّرِ مِنَ الرِّجْسِ، الذي وَرَّثْتَهُ عِلْمَ الْكِتابِ، وَاَلْهَمْتَهُ فَصْلَ الْخِطابِ، وَنَصَبْتَهُ عَلَماً لاِهْلِ قِبْلَتِكَ، وَقَرَنْتَ طاعَتَهُ بِطاعَتِكَ، وَفَرَضْتَ مَوَدَّتَهُ عَلى جَميعِ خَليقَتِكَ، اَللّـهُمَّ فَكَما اَنابَ بِحُسْنِ الاْخْلاصِ في تَوْحيدِكَ، وَاَرْدى مَنْ خاضَ في تَشْبيهِكَ، وَحامى عَنْ أهل الاْيمانِ بِكَ، فَصَلِّ يا رَبِّ عَلَيْهِ صَلاةً يَلْحَقُ بِها مَحَلَّ الْخاشِعينَ وَيَعْلُو فِي الْجَنَّةِ بِدَرَجَةِ جَدِّهِ خاتَمِ النَّبِيّينَ، وَبَلِّغْهُ مِنّا تَحِيَّةً وَسَلاماً، وَآتِنا مِنْ لَدُنْكَ في مُوالاتِهِ فَضْلاً وَاِحْساناً وَمَغْفِرَةً وَرِضْواناً، اِنَّكَ ذُو فَضْل عَظيم وَمَنٍّ جَسيم.

 

لتحميل الملف اضغط هنا


[1] الكافي: ج1، ص512.

[2] مستدرك سفينة البحار: ج4، ص448.

[3] بحار الأنوار: ج50، ص270.

[4] بحار الأنوار: ج50، ص331.

[5] مستدرك سفينة البحار: ج1، ص72.

[6] بحار الأنوار: ج75، ص379.

[7] بحار الأنوار: ج75، ص379.

[8] بحار الأنوار: ج75، ص377.

[9] بحار الأنوار: ج75، ص379.