الشيخ هاني الكناني
تشريعات الإسلام جاءت مقيدة ومضيقة للمرأة عن حركتها في الحياة، هكذا قال بعضهم!
ثم قالوا: إن جنس المرأة هو جنس لطيف ينزع نحو العلاقات مع الآخرين حتى لو كانوا رجالاً! فالشباب والفتيات يلتقون في مقاعد الدراسة ويتفاكهون بالكلام والمزاح ويخرجون معاً مختلطين بعضهم مع بعض في السفرات والحفلات وليس في ذلك شيءٌ مستهجنٌ يجده الشاب أو الشابة، بل العكس تماماً! فإن ما يحصل من لقاءٍ بين الشباب والفتيات يأتي في سياق تماشيهم مع الحياة المدنية والتطور وإطلاق الحريات، وسوى ذلك يندرج في كبت الحريات وتقييد النشاط الشبابي! فما نراه في الكثير من الدوائر الوظيفية والجامعات والمدارس التي تشهد العلاقات والاختلاط لا ضير فيه ولا حزازة!
ثم إن الطبيعة الخَلْقية للمرأة تقضي عليها بإظهار محاسن الوجه والجسم واللباس وما إلى ذلك! ثم يقول البعض:
لكننا نجد كل ذلك قد نهى الإسلام عنه، بل وأوصد الباب أمام المرأة من التمتع بزينتها وجمالها وحركتها وقَصَرَها على نظام ضيق لا وسع فيه، فلا نرى أهمية لتلك التشريعات ونحن نعيش عصر التطور والحداثة والانفتاح!!
هكذا قالوا.. فما هو قولكم أيها الدعاة للعفة والتحصين والستر والحجاب؟
هذا الكلام هو جزء من سلسلة طويلة عريضة من المفاهيم التي يطالب الإنسان بأن يكون متحرراً منها ومطلقاً لا تقيده الضوابط ولا الأنظمة، ويحلو له أن يضع التشريع المناسب لنزعاته الغريزية التي تدفعه نحو ما يحب من الأمور من دون قيد ولا شرط!
وهذا الكلام -كما يبدو منه- يصور تشريعَ السماءِ خالٍ من الاهتمام والحرص على المرأة، ولا يريد لها السعادة والمتعة في متطلباتها وحوائجها الطبيعية، وهذا تصور خاطئ ومجانب للصواب، لأن المرأة في الإسلام حظيت بحقوق وتكريم ما لم يعطها إياه تشريع آخر، وأراد لها أن تكون سعيدة في كل شؤونها وأمورها، حالها حال الرجل، وأن تكون في مصافِّهم في صناعة الحياة، ولكن بالجو الذي تراه السماء مناسباً لها، من حيث العفة والعلاقات، لا من حيث الجو الذي تشرعه الرؤية البشرية القاصرة عن إدراك المصالح والمفاسد، لأن الاختلاط مثلاً -الذي يريده ويشرعنه دعاة التحرر- يتسبب في كثير من المشاكل والمفاسد بين الجنسين، كانتشار السفاح والرذيلة، وإشاعة العلاقات المحرمة، وسلخ روح الحياء والعفة من نفوس النساء، وهذا ما شكى منه الغرب نفسه (الداعي الأكبر للاختلاط والسفور)، ويمكن مراجعة كتاب (الغرب يتراجع عن الاختلاط) لتدرك صحة ما نقول! أنظر إلى تصريح الرئيس الأمريكي السابق كنيدي عام 1962م بالأضرار المترتبة على عدم تطبيق نظام الفصل بين الجنسين قائلاً:
( إن الشباب الأمريكي مائع ومترف وغارق في الشهوات، ومن بين كل سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد منهم ستة غير صالحين، وذلك لأننا سعينا لإباحة الاختلاط بين الجنسين في الجامعة بصورة مستهترة مما أدى إلى إنهاكهم في الشهوات)! نقلاً عن كتاب (الثورة الجنسية) للكاتب الأمريكي جورج بالوشي، ناهيك عن إحصائيات الزنا والفواحش والجرائم والأطفال غير الشرعيين في تلك البلدان التي أشاعت الاختلاط والعري بنسب مهولة ومرعبة يمكن مراجعتها بضربة بحث واحدة في الإنترنت!
ولا أدري ما أقول أمام شهادة البروفسور الألماني (يودفو) كبير علماء الجنس في برلين الذي يقول: إنني درستُ الجنس وأدوار الجنس وأدوية الجنس فلم أجد أنجح ولا أنجع من قول الكتاب الذي نزل على محمد (صلى الله عليه وآله): (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)[1].
كتاب (الغرب يتراجع عن الاختلاط في التعليم) بفرلي شو.
ولا أعتقد أننا نحتاج إلى شهادات الغير للكشف عن المصالح والمفاسد من وراء التشريعات الخاصة بالمرأة أو عموم التشريع للإنسان، لأن التراث الإسلامي الذي نمتلكه يغنينا عن وصف الواصفين ومدح المادحين، وإنما نحتاج إلى ذلك بقدر ما يُثبِّتُ لشبابنا (كدليلٍ) -ومن لسان البعيد عن التشريعات الإسلامية- أن التشريع الإسلامي جاء وفقاً لمتطلبات الفطرة والطبيعة الإنسانية، وأنه جاء وراء التشخيص الدقيق للمصالح والمفاسد التي تُقوّمُ الفردَ والمجتمعَ على أكملِ وجهٍ وأتم صورة، كي يُذْعِنَ شبابُنا ويعودوا إلى حضن الإيمان، ويطمأِنوا بحكمِ اللهِ ويسلموا له تسليماً... والحمد لله رب العالمين.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (3)
[1] سورة النور:30-31 .