لا مانع لدي، ولكن....

الأتقياء هم الذين عَظُم الخالق في أنفسهم فصغرت الدنيا في أعينهم، وأحد هؤلاء هو العالم الرباني الغني الملاّ هادي السبزواري المتوفى سنة 1289هـ. كانت له أموال ومزارع يخرج منها زكاتها ويوزعها بين الفقراء بنفسه، وكان للفقراء موعد مع هذا العالم عصر كل خميس، وكان يعقد مجالس حسينية في بيته ثلاثة أيام من آخر شهر صفر المظفر كل عام ويدعو إليها الفقراء أولاً، ويدعو ليصعد المنبر كل خطيب حسيني لا يرغب الناس في قراءته بسبب صوته، وذلك ليعطيه فرصة يمارس دوره بين الناس قربة إلى الله وخدمة للخطيب. 

وبعد الختام يحضر الخبز والمرق واللحم، فيطعم الحاضرين، ثم يقدم لكل فقير مبلغاً من المال. في مطلع شبابه لما كان يدرس العلوم الدينية في حوزة مشهد المقدسة، باع جميع دكاكينه التي ورثها من أبيه فانفق ثمنها في سبيل الله طلباً لرضاه. وفي أواخر عمره باع بعض أملاكه وعالج بثمنها معيشة الفقراء والمحتاجين الذين أحاط بهم القحط والضائقة المالية. ولو لم تكن الآية الشريفة: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا الله وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)[1]. تمنع من إنفاق جميع ما يملكه لكان قد فعل. وبالفعل لقد سأله بعض: هلاّ أنفقت هذه البقية الباقية وجلست مع العيال صفر اليدين كالدراويش؟!  أجابهم: لا مانع لدي، ولكن أطفالي يرفضون أن يكونوا دراويش.   

 


[1] سورة النساء: آية 9.