جَون بن حَوِيّ، كان عبداً مملوكاً اشتراه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمّ وَهَبه لأبي ذرّ الغِفاريّ، وبعد وفاة هذا الصحابيّ الجليل رجع جَون إلى الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) ،كان جون مُنضمّاً إلى أهل البيت (عليهم السلام)بعد أبي ذرّ رضي الله عنه، فكان مع الحسن بن عليّ(عليهما السلام)، ثمّ انضمّ إلى الحسين(عليه السلام) وصَحِبَه في سفره إلى مكّة ثمّ إلى العراق ،ومَن منّا لا يعرف أبا ذرّ الغِفاريّ، وهو الصحابيّ المُتفاني في حبّ أهل البيت(عليهم السلام)؛ إذ كان معتقداً أنّ وجودهم هو وجودٌ للإسلام، فروى عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) عيون الروايات في فضائلهم صلوات الله عليهم صَعِد أبو ذرّ(رضي الله عنه) على درجة الكعبة حتّى أخذ بحلقة الباب، ثمّ أسند ظهره إلى الباب فقال: أيّها الناس: مَن عَرَفني فقد عرفني، ومَن أنكرني فأنا أبو ذرّ سمعتُ من رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إنّما مَثَلُ أهل بيتي في هذه الأمّة كمَثَلِ سفينة نوح، مَن رَكِبَها نجا، ومَن تركها هلك.
وسمعتُ رسولَ الله(صلى الله عليه وآله) يقول: اجعلوا أهلَ بيتي منكم مكانَ الرأس من الجسد، ومكانَ العينَين مِن الرأس؛ فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالرأس، ولا يهتدي الرأسُ إلاّ بالعينَين، وقد ورّث أبو ذرّ الغِفاريّ(رضي الله عنه) مولاه جَون حب آل محمّد (عليهم السلام)، والنُّصرةَ لهم والدفاعَ عنهم، فأكرِمْ به مِن ميراث.
التحق جون ّ بالركب الحسينيّ، وسمع من الإمام الحسين(عليه السلام) إذْنَين:
الأوّل: عامّ للأصحاب بالانصراف: «انطلِقُوا جميعاً في حِلّ ليس عليكم منّي ذِمام هذا الليل قد غَشِيَكم فاتخذوه جَمَلاً»، فأبَوا جميعاً مُقْبِلين على الشهادة.
والإذْن الثاني: خاصّ لبعض الأصحاب بالانصراف كان منهم جَون، حيث قال: له الإمام الحسين(عليه السلام): «أنت في إذْنٍ مني، فإنّما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتل بطريقنا»، فأجابه جون قال: يا ابن رسول الله، أنا في الرخاء ألحَسُ قِصاعَكم وفي الشدّة أخذُلُكم واللهِ إنّ ريحي لَنتِن، وإنّ حَسَبي لَلئيم، ولوني لأسوَد، فتنفس عليّ بالجنّة فتطيبَ ريحي، ويَشرُفَ حَسَبي، ويَبيضَّ وجهي، لا واللهِ لا أُفارقُكم حتّى يختلطَ هذا الدمُ الأسود مع دمائكم، إنّه العزم على النصرة، والطمع في الكَون مع آل محمّد (عليهم السلام) حتّى في ساحات الوغى والحُتوف، الذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالحاتِ طُوبى لَهُم وحُسْنُ مَآب، وبرز جون يستأذن الإمامَ الحسين (عليه السلام)، فأذِن له، فحمَلَ جون وهو يرتجز ويقول:
كيف تَرى الفُجّارُ ضَربَ الأسـْودِ بالمـشـــــرفـيِّ القـــاطعِ المُـــــهنَّد
أحمـــي الخيــــارَ مِن بنـي محــــــمّدِ أذُبُّ عنــــهم بـاللـســانِ واليــدِ
أرجـو بذاك الفـــوزَ عـــندَ المــوردِ مِــــن الإلــــهِ الــواحدِ المـــوحَّدِ
فقَتَل جونٌ خمسةً وعشرين رجلاً من الأعداء حتّى تعطّفوا عليه فقتلوه (رحمه الله)، فجاءه الإمام الحسين(عليه السلام) ووقف عليه قائلاً: اللهمّ بَيِّضْ وجهَه، وطَيِّبْ ريحَه، واحشُرْه مع محمّدٍ(صلى الله عليه وآله)، وعَرِّفْ بينه وبين آل محمّد (عليهم السلام)، وقد نقلوا أنّ كلّ مَن كان يمرّ بالمعركة، كان يشمّ مِن جون رائحةً أذكى من المسك.
المصدر: مجلة اليقين العدد (11)، الصفحة (7).