يروي المؤرخون أن الكميت لما نظم الهاشميات سترها ولم يذعها بين الناس حتى رأى الفرزدق بن غالب فقال له: نَفَثَ على لساني فقلت شعراً فأحببتُ أن أعرضه عليك، فان كان حسناً أمرتني بإذاعته، وإن كان قبيحاً أمرتني بستره، وكنت أول من ستره علي، وعجب الفرزدق من حسن أدبه، فطفق يقول له: أما عقلك فحسن، وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك، فانشدني ما قلت، وانبرى للفرزدق يتلو عليه رائعته قائلاً: طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب.
وقطع الفرزدق عليه كلامه قائلاً: فيم تطرب يا ابن أخي؟!
فقال: ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب؟!
وراح الفرزدق يقول: بلى يا ابن أخي فالعب فإنك في أوان اللعب فقال:
ولــــم يلهِــــني دارٌ ولا رســــمُ منـــزل ولــــــم يتطرّبني بنـــــــانٌ مخضّـــــب
وأكبرَ الفرزدق هذا الشعر وانطلق يقول: ما يطربك يا ابن أخي؟ فقال:
وَلاَ السَّـانحــات البَــــارحــــاتُ عشيّـةً أَمــرَّ سَليـــــمُ القَــــرنِ أمْ مــــرَّ أَغضبُ
فقال الفرزدق: أجل لا تتطير، فقال الكميت:
ولكــنْ إِلَـى أَهـــــلِ الفضــــائلِ والنُّـهى وَخــيرُ بنـي حــــــواءَ والخـــــيـرُ يُطلبُ
واهتز الفرزدق من روعة هذا الأدب العالي فراح يقول: من هؤلاء؟ ويحك!!
قال الكميت:
إِلَـى النقَّـرِ البيــضِ الـــــذينِ بِحُبّهِــم إِلَـــــى الله فيمـــــا نَالَنِـي أَتقــــــربُ
واستولى الكميت على مشاعر الفرزدق وعواطفه فصاح: أرحْني، ويحك من هؤلاء؟!!
قال الكميت:
بنـي هَاشــم رهـطُ النَّبــــيَّ فَإنَّـــــــني بِهِــــم وَلَهُــــم أَرضَى مِــراراً وَأَغضَبُ
خفضت لهــــم منـي جنـــــاحي مـودةً إِلى كنــــفٍ عطفــــــاه أهــل ومـرحبُ
وملك هذا الشعر أحاسيس الفرزدق وانطلق يقول: يا ابن أخي، اذعْ ثم اذعْ فأنتَ والله أشعرُ من مضى وأشعرُ من بقي[1].
[1] الأغاني، الأصفهاني: ج17، ص23.