الخطاب المهدوي في زمن الظهور / سماحة السيد علاء الموسوي

روى علي بن إبراهيم القمي بإسناده عن أبي خالد الكابلي قال: قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): والله لكأني انظر إلى القائم (عليه السلام) وقد أسند ظهره إلى الحجر ثم ينشد الله حقه ثم يقول:

يا أيها الناس.. من يحاجني في الله فأنا أولى بالله..

أيها الناس من يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم..

يا أيها الناس من يحاجني في نوح فانا أولى الناس بنوح..

أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم..

يا أيها الناس من يحاجني في موسى فانا أولى الناس بموسى..

أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى..

أيها الناس من يحاجني في رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) فانا أولى الناس برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فانا أولى الناس بكتاب الله.

ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين وينشد الله حقه.

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): هو والله المضطر في كتاب الله في قوله: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَْرْضِ).

فيكون أول من يبايعه جبرائيل، ثم الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً)[1].

هكذا سيخطب الإمام(عليه السلام) على مسامع أهل العالم، ويبدأ بتعريف نفسه في أول ظهور علني له بعد غيبة طويلة، امتدت دهوراً ودهوراً، ليتعرف الناس بكافة أعراقهم ودياناتهم ولغاتهم على هذا المصلح الأعظم، وعلى برنامجه في الإصلاح، وطريقته في سياسة الأمور، وعلى ما يتبناه من تجارب البشر، وما يرفضه منها، وعلى موقفه من الأنبياء والمصلحين ومن دياناتهم وكتبهم الإلهية، وما أتوا به من تعاليم ومبادئ.

إن اللقاء الأول وما يتركه من انطباع في النفوس لهو أمر في غاية الخطورة في شأن البشر، ولذا فان هذا الخطاب الأول الذي سيسمعه الناس بكافة أعراقهم ولغاتهم في مشارق الأرض ومغاربها، يعد (الهوية العقائدية والسياسية) لهذا المصلح.

ان التعريف في مثل هذه الحالات، يجب أن يطّرد مع خطورة الدعوى وعِظم المهمة، فبقدر ما تكون المهمة خطيرة، وبقدر ما تكون الدعاوى كبيرة، لابد أن يكون التعريف أكثر دقة ووضوحاً؛ لأن الناس لا تُسلّم مقاليدها في الأمور الخطيرة إلى من لا تعرفه، ولا تعرف جذوره وأهدافه، وتجهل مواقفه إزاء مسلّماتها الفكرية والفطرية. خصوصا إذا كانت الدعاوى كبيرة، كالتي ستسمعها من هذا القادم من وراء الغيب، إنها دعوى لإصلاح العالم أجمع، وإقامة الدولة الموحدة في بقاع الأرض

وتطبيق العدل الإلهي في كل زوايا الحياة ودعوى تمثيل مشاهير الأنبياء الذين آمن بهم البشر، واتبعهم الكثير منهم، والتزم تعاليمهم،  بل تمثيل جميع الأنبياء والمرسلين منذ بعث الله آدم إلى النبوة الخاتمة.

يقرأ كل الكتب السماوية بلسان أهلها وكما أنزلت من السماء صحيحة نقية بلا شائبة، ففي رواية أبي جعفر الباقر (عليه السلام): (ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن)[2].

إن لحظة التعريف هذه.. ستكون من أخطر وأهم اللحظات في حركة الإمام (عليه السلام))؛ لأنها ستعطي (الانطباع الأول) لجميع البشر، وستوضح حقيقة هوية المصلح الأعظم، وستربط بينه وبين تاريخ الأنبياء والمقدسات التي يعتقد بها جميع البشر بلا استثناء حتى اللادينيين منهم. وستثبت للناس أجمعين بما لا يقبل الشك..

أن هذا القادم ما هو إلا امتداد شرعي لجميع الأنبياء الذين آمنت بهم البشرية على طول تاريخها، وما هو إلا الوارث لعلومهم وتعاليمهم.

   وهو المثال الحقيقي للإنسان الكامل، والحجة على من لا يتصل بالأديان ولا يؤمن بها، هكذا ستقوم الحجة على الناس (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ).

 وبدون هذا الاستيعاب والشمول في تمثيل الأنبياء، وتمثيل المبادئ التي يعتقد بها البشر لن تتم الحجة عليهم وستكون منقوصة مخدوشة، ولئن أقنعت فئة ستضيع فئات. هذه هي الحجة البالغة التي لا يتمكن أحد من التهرّب من لزومها ووضوحها.

أبعاد هذا الاحتجاج:

ان هذا الاحتجاج يعني فيما يعني عدة أمور:

أولاً: أنه إذا كان لله حجة في الأرض، فهو هذا الشخص لا غيره.

ثانياً: أنه إذا كان للبشر اتصال بعالم الغيب، فهو منحصر في هذا الشخص بشكله الأتم.

ثالثاً: أنه إن كان شخص ما مخول في بيان أحكام الله تعالى وبيان أرادته، فهو هذا الشخص لا غير.

رابعاً: أنه أقرب الخلق وأرضاهم للخالق عز وجل وأحبهم إليه وأكرمهم عليه. بالشكل الذي سيمكّنه من إظهار الكرامات والمعجزات التي يعجز كافة البشر عن مجاراتها.

وإذا أثبت الإمام (عليه السلام) أنه أقرب الخلق إلى الله تعالى فان أول ما سيثبته بعد ذلك هو ارتباطه بخط الأنبياء وأنه ليس بدعاً من الأولياء بل ما هو الا استمرار لخطهم وإحياء لأمرهم.

العالمية إلى الإصلاح:

إن التأكيد على وحدة الخط ووحدة الأهداف بين الإمام المهدي(عليه السلام) ودعوته من جهة.. وبين دعوات الأنبياء جميعا من جهة أخرى.. هو المحور الأساسي الذي نلحظه في هذا البيان الأول الذي يعلن به الإمام حركته وظهوره. خصوصا سادة الأنبياء ومشايخهم الذين حملوا راية التوحيد كإبراهيم صلوات الله عليه.

 إن نظرة متمعنة في الروايات التي وردت عن علاقة الأنبياء بمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.. توضح مدى عمق الارتباط بين الأنبياء والأولياء والأوصياء على مدى التاريخ.. وبين نبينا والأئمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين.

  فآدم إنما تاب الله عليه بعد أن توسل إليه بمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله).. ونوح إنما نجا من الطوفان بعد توسله بأسمائهم صلوات الله عليهم.. وهكذا إبراهيم نجا من النار ببركة التوسل بهم والاعتراف بحقهم(صلى الله عليه وآله). وأصبح خليلا لله تعالى ببركة كثرة صلاته على محمد وآل محمد.  وهكذا بقية الأنبياء الذين أخذ الله عليهم أن يقرّوا بنبوة محمد(صلى الله عليه وآله) وإمامة أهل بيته(عليهم السلام) شرطا لتبوئهم المنصب الإلهي من إمامة أو نبوة.

الهوامش:

* مستل من البحث المشارك في المؤتمر العلمي الأول في الإمام المهدي(عليه السلام) الذي عقده مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام) في مدينة النجف الأشرف في ٢٢/ تموز/ ٢٠٠٧م.

المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (56) ـ الصفحة: 20 - 21.

 


[1] تفسير القمي: ج2، ص204-205.

[2] غيبة النعماني: ص٢٤٣.