مثّلت بعض النساء الخالدات بأدوارهنَّ امتيازاً حقيقياً في الصمود والثبات على الحقّ رغم كون النساء غالباً ما تكون مستضعفة في تلك البيئة القاسية، ومن تلك النساء الّلائي كانت مواقفها مشرِّفة وناصعة في الإخلاص والثبات هي (أُمّ شريك)، وقد ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج8، ص122)، فقال:
(واسمها: غزية بنت جابر بن حكيم)، كان محمد بن عمر الواقدي يقول: (هي من بني معيص بن عامر بن لؤي، وكان وقد اختلف في نسبها إلّا أنّ من أغلب مَن ترجم لها أثبت أنّها هي التي وهبت نفسها لرسول الله. ثمّ روى بسنده أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) تزوج أُمّ شريك، وقد نزل فيها قوله تعالى: (وامرأة مؤمنة.. الآية) هي أم شريك الدوسية.
وقد ذُكرت في حديث طويل حاصله: أنه أسلم أبو العكر زوج أُمّ شريك غزية بنت جابر الدوسية من الأزد، فهاجر مع دوس حين هاجروا، فجاء أهله إلى أُمّ شريك فقالوا: لعلّك على دينه، قالت: إي والله، فعذَّبوها، يطعمونها الخبز بالعسل ولا يسقونها، ووضعوها في الشمس ثلاثة أيام، قالت: حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري، وقالوا لها في اليوم الثالث اتركي ما أنت عليه، فأشارت بإصبعها إلى السماء بالتوحيد، وقد بلغ بها الجهد إذ وجدت بردَ دلوٍ على صدرها، فشربت ثمّ رُفع، ثمّ دُلّي فشربت، هكذا ثلاث مرات، وأهرقت عليها منه، فنظروا إليها فقالوا من أين لك هذا يا عدوّة الله، قالت: إنّ عدوّة الله غيري، هذا من عند الله، فاسرعوا إلى قربهم وأداواهم فوجدوها موكاة فأسلموا!
قال ابن سعد: وهي التي وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله)، وهي من الأزد، وكانت جميلة فقبلها النبي(صلى الله عليه وآله)، فقالت عائشة: ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير، قالت أم شريك: أنا تلك، فسمّاها الله مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي(صلى الله عليه وآله)، فلمّا نزلت هذه الآية قالت عائشة: إنّ الله ليسرع لك في هواك[1].
المصدر: مجلة اليقين العدد (65)، الصفحة (11).