المرأة ريحانة

هاني الكناني

ورد في كتاب الكافي (ج5 ص510) عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الإمام الحسن (عليه السلام): «لا تملّك المرأةُ من الأمرِ ما يجاوزُ نفسها فإنّ ذلك أنعمُ لحالِها، وأرخى لبالِها، وأدومُ لجمالها، فإنَّ المرأةَ ريحانةٌ وليستْ بقهرمانة».

هذا مقطعٌ صغيرٌ من الرسالة التي تحمل مضموناً، نستطيع أن نسميه المرأة في فكر أهل البيت (عليهم السلام)، تتحدّد فيه شخصية المرأة المسلمة بجميع أبعادها، من وجهة نظر أئمتنا الأطهار (عليهم السلام).

وهذا المضمون، وإن كان يظهرُ منه المخالفة على ما عليه ثقافة اليوم - حتى المنسوبة للمسلمين منها- إلا أننا نحاول الجمع والصلح، بما تسمح به روح الشريعة الإسلامية، مع التسليم بحصول مخالفات لهذا الثقافة النبوية من بعض النساء.

جاء في المعجم الوسيط الرَّيْحَانُ: جنسٌ من النبات طيّب الرائحة من الفصيلة الشفوية.

بهذا المقدار من المعنى، نستطيع أن نحدّدَ معلَماً من معالم شخصية المرأة، ذلك المتعلق بأحد وظائفها الحيوية في حياتها وحياة أسرتها، فهي مصدر الرائحة الطيّبة، كناية عن الوجود الباعث على الارتياح والتهدئة النفسية لها ولمحيطها، والّذي يضع مكانتَها في بيتها، مكانَ زجاجة العطر من الأناقة والنظافة، ولطافة الاستعمال، ودقة الحرص على شكلها البديع.

في لسان العرب: القَهْرَمان، هو المُسَيْطِرُ الحَفِيظ على من تحت يديه.... قال سيبويه هو فارسي.

وفيه عن ابن بري: القَهرمان: من أُمناء الملك وخاصته فارسي معرب وفي الحديث - عندهم -: كتَب إلى قَهرمانِه هو كالخازِن والوكيل الحافظ لما تحت يده والقائم بأُمور الرجل بلغة الفرس.

وفي المعجم الوسيط «القَهْرمان»: أمينُ الملك ووكيلُه الخاص بتدبير دخلِه وخرجِه......ومنه القول المأثور: «المرأة ريحانةٌ، وليستْ بقهرمانة»

فالمرأة من جهة كونها ريحانة، لا يناسبها الخوض في مضامير، إن لم تكن مختصة بالرجل، فهي أقل ملاءمة للمرأة، وأكثرُ حرجاً في مزاولتها.

فهذا معنى قهرمانة، وهو يستدعي أن المرأة، ينبغي عليها أن لا تخوضُ غير ميادين الرياحين ميداناً يتجاوز نفسها، وعلل (عليه السلام) ذلك أنه «أنعم لحالها» بمعنى، أنها تكون في نعمة أفضل منها في عالم القهرمان، فالمرأة ليست مناسبة أن يناط بها ما نستطيع تسميته «الأمور الرجالية» من الحسابات والأمور الإدارية، التي غالباً ما تستدعي الاختلاط بمختلف الانفعالات مع طبائع مختلفة قد تؤثر على الصحة النفسية للمرأة، خصوصاً مع الدوام والاستمرار.

لذا نجد أن الشريعة المقدسة، حثت على كون المرأة مخدرة، بعيدة عن الأجواء النفسية المتقلبة والمتنوعة، كما ورد في الكافي «ج5 ص535» باب الغيرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «النساء عي وعورة، فاستروا عيهن بالسكوت، واستروا عوراتهن بالبيوت».

قال في الهامش: العي: العجز عن البيان، أي لا يمكنهن التكلم بما ينبغي في أكثر المواطن، فاسعوا في سكوتهن؛ لئلا يظهر منهن ما تكرهونه، فالمراد بالسكوت، سكوتهن، ويحتمل أن يكون المراد، سكوت الرجال المخاطبين، وعدم التكلم معهم؛ لئلا يتكلمن بما يؤذيهم، والعورة ما يُستحيَى منه، وما ينبغي سترُه.

لكننا في هذه السنين الأخيرة، خف التعاطي مع الأحاديث الشريفة، الفائضة بالإرشاد والتوجيه الديني والسلوكي، ومال الكثير إلى الأصوات المنتشرة في العالم الإسلامي، التي تدمج بين مفهومي المساواة والعدالة، مما زرع شبهات أخلاقية أوقعت بعض الأسر في الحرج أحياناً.

بعد هذا نبين مسألة ثانية، وهي: إن ما تقدم من كلام، لا يلزم المرأة أن تبقى في بيتها، بمعنى العزل والانعزال، وإنما ينبغي ملاحظة قول أمير المؤمنين (عليه السلام) أن هذا التصرف «أنعم لحالها، وأرخى لبالها، وأدوم لجمالها» فهو أمر إرشادي توجيهي، وإن كان محصِّلاً لمراتب كمالية عالية للمرأة، وحافظاً للأنوثة المحققة بالطبع، إلّا أنه لا يرقى إلى مرحلة الوجوب والإلزام، إذ ربما يؤدي ذلك إلى الحرج في بعض الأحيان.

بل قد يكون حضور المرأة أمراً ضرورياً في مجالات لا غنى بغيرها عنها والتي تتناسب مع شأن المرأة مع ما يحقق المستوى المطلوب من الحشمة والعفة.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (2)