كان هناك صياد سمك جادّ في عمله يصيد في اليوم سمكة فتبقى في بيته ما شاء الله أن تبقى حتى إذا انتهت ذهب إلى الشاطئ ليصطاد سمكة أخرى... في ذات يوم وبينما كانت زوجة الصياد تقطع ما اصطاده زوجها إذا بها ترى أمراً عجباً، رأت في بطن تلك السمكة لؤلؤة... تعجبت، لؤلؤة في بطن سمكة؟!! سبحان الله.
- زوجي .. زوجي .. أنظر ماذا وجدت
- ماذا؟
- إنها لؤلؤة لؤلؤة،
- لؤلؤة!!
- في بطن السمكة
- يا لك من زوجة رائعة .. أحضريها لعلنا نقتات بها يومنا هذا ونأكل شيئا غير السمك، أخذ الصياد اللؤلؤة وذهب بها إلى بائع اللؤلؤ في البلدة، نظر إليها التاجر، وقال: يااااااااه .. إنها لؤلؤة نادرة ولا تقدر بثمن، وأنا لا استطيع أن أشتريها، فلو بعت دكاني وبيتي ما أحضرت لك ثمنها، لكن اذهب إلى شيخ الباعة في المدينة لعله يستطيع أن يشتريها منك.
أخذ صاحبنا لؤلؤته وذهب بها إلى البائع الكبير في المدينة وعرض عليه اللؤلؤة، فقال له التاجر الكبير وهو ينظر إليها: الله .. والله يا أخي إن ما تملكه لا يقدر بثمن، ولا يستطيع حتى مَن هو مثلي شرائها، لكني وجدت لك حلا، إذهب إلى والي المدينة فهو القادر على شراء مثل هذه اللؤلؤة.
وعند باب قصر الوالي وقف صاحبنا ومعه كنزه الثمين ينتظر الإذن له بالدخول، فلما دخل وقص على الوالي قصته وأراه درته الثمينة، قال الوالي: الله .. إن مثل هذه اللآلئ هو ما أبحث عنه .. لا أعرف كيف أقدر لك ثمنها، لكني سأسمح لك بدخول خزنتي الخاصة، وستبقى فيها ست ساعات فخذ منها ما تشاء، وهذا هو ثمن اللؤلؤة.
- سيدي لعلك تجعلها ساعتين، فست ساعات كثيرة على صياد مثلي.
قال الوالي: لا بل ست ساعات كاملة، لتأخذ من الخزنة ما تشاء، دخل صاحبنا خزنة الوالي وإذا به يرى منظراً مهولاً، غرفة كبيرة جداً مقسمة إلى ثلاثة أقسام: قسم مليء بالجواهر والذهب واللآلئ، وقسم به فراش وثير لو نظر إليه نظرة نام من الراحة، وقسم به جميع ما يشتهي من الأكل والشرب.
قال الصياد محدثاً نفسه: ست ساعات؟ إنها كثيرة جداً على صياد بسيط الحال مثلي، ماذا سأفعل في ست ساعات؟ حسناً سأبدأ بالطعام الموجود في القسم الثالث سآكل حتى املأ بطني حتى أستزيد بالطاقة التي تمكنني من جمع أكبر قدر من الذهب.
ذهب صاحبنا إلى القسم الثالث وقضى ساعتين من الوقت يأكل ويأكل، حتى إذا انتهت الساعتان ذهب إلى القسم الأول، وفي طريقه رأى ذلك الفراش الوثير، فحدث نفسه قائلا: الآن أكلت حتى شبعت، فمالي لا أستزيد بالنوم الذي يمنحني الطاقة التي تمكنني من جمع أكبر قدر ممكن، هي فرصة لن تتكرر، فأي غباء يجعلني أضيعها، ذهب الصياد إلى الفراش فاستلقى وغط في نوم عميق، وبعد مدة من الزمن، سمع صوت الحرس: قم قم أيها الصياد الأحمق لقد انتهت المهلة.
قال الصياد: هاه ماذا؟
- نعم .. هيا إلى الخارج.
- أرجوكم ما أخذت الفرصة الكافية، ضحك الحراس وقالوا: هاه هاه ست ساعات وأنت في هذه الخزنة، والآن أفقت من غفلتك تريد الاستزادة من الجواهر!! أما كان لك أن تشتغل بجمع كل هذه الجواهر، حتى تخرج إلى الخارج فتشتري لك أفضل الطعام وأجوده وتصنع لك أروع الفرش وأنعمها، لكنك أحمق غافل لا تفكر إلا في المحيط الذي أنت فيه .. خذوه إلى الخارج.
صرخ الصياد: لا لا أرجوكم أرجوكم ... لااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا. انتهت قصتنا
لكن العبرة لم تنته، أرأيت عزيزي القارئ تلك الجوهرة: هي روحك إنها كنز لا يقدر بثمن، لكنك لا تعرف قدر ذلك الكنز.
أرأيت تلك الخزنة، إنها الدنيا أنظر إلى عظمتها وانظر إلى استغلالنا لها، أمّا عن الجواهر، فهي الأعمال الصالحة، وأما عن الفراش الوثير، فهو الغفلة، وأما عن الطعام والشراب، فهي الشهوات.
والآن .. أخي صياد السمك أما آن لك أن تستيقظ من نومك وتترك الفراش الوثير وتجمع الجواهر الموجودة بين يديك قبل أن تنتهي تلك المدة الممنوحة لك، وهي عمرك، فتتحسر وأنت تخرج من الدنيا قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعونً لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) المؤمنون: 99-100
قصة جميلة تستحق القراءة أتمنى لكم كل خير وسعادة ونحن في زمن الإمهال ﻻندري متى يبغتنا الموت ونلقى الله، ولكن على ماذا نلقاه؟ كل واحد منّا ينفرد بنفسه ويحاسبها ويستزيد من الخير ويقلع عما يغضب جبار السموات والأرض تقدس في علاه.
المصدر: مجلة بيوت المتقين، العدد (11)، صفحة (22)