دم الشهادة

من الواضح جلياً للمتتبع لآيات كتاب الله العزيز يجد أن الكثير منها تعرضت لقيمة دم الشهادة، وإن القيمة الحقيقية لها هي إراقتها في سبيل الله، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «فَوْقَ كُلِّ بِرٍّ بِرٌّ حَتَّى يُقْتَلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ بِرٌّ»[1]، وإنّ من يُريق دمه لأجل دين الله فهو الذي رسم لنفسه طريق الخلود والسرمدية، ويكون حيّاً حقيقياً، وإن كان ميتاً بحسب المقاييس الدنيوية، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[2]؛ لأن الشهادة بيع رابح، وتجارة لن تبور، قال عز من قائل: (إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[3]، ذلك لأن الدماء الحقّة هي الدرع الحصينة التي تحصّن دين الله تعالى، وهي الروح التي تنفخ في جسد الأمم وتهب العالمين الحياة، وهي  الآلة الأقوى من كل آلات الحرب والقتل، وهي الشعلة التي تنير دروب الأحرار والمظلومين، والسبب الذي يوقف طغيان الطغاة، ويفتت ظلم الظالمين، ويؤسس لعزة الدين والمؤمنين، نعم هذه معطيات دم الشهادة، وهذه الثمار التي يريدها الله تعالى من شراء أنفس المؤمنين، لكن المعطيات تكون أشد وأكبر فيما لو أريقت دماء غاليات عزيزات على الله، دماء حبيب من أحبائه، وصفوة من أصفيائه، فأكيداً ستكون المقاييس مختلفة، والنتائج منقلبة، كيف لا والدماء هي دماء سيد الشهداء وأبي الأحرار، الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام)، تلك الدماء الطاهرة الزاكية التي لم تستقر في الأرض، ولم يرضَ لها الله تعالى إلا أن تكون في أعلى عليين، «أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ، وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةُ الْعَرْشِ ، وَبَكى لَهُ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ، وَبَكَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ، وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ، وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ، وَمَنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا، وَمَا يُرى وَمَا لَا يُرى»، فهذه الدماء هي الدماء التي انتدبها الله تعالى لتخطّ للإسلام طريقه، وللمؤمنين عزّتهم، وللأحرار دربهم، فالسلام عليك أبا الأحرار يوم ولدت، ويوم هاجرت إلى الله وقتلت في سبيل الله، ويوم تبعث حياً شاهداً وشهيداً.

مجلة اليقين العدد (66)

 


[1] الخصال، الصدوق: ج1، ص9.

[2] سورة آل عمران: آية 169.

[3] سورة التوبة: آية 111.