دخل على الإمام الصادق (عليه السلام) أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وأناس من رؤسائهم، لمشاورته في انتخاب خليفة عليهم، بعدما قُتل الوليد، واختلف أهل الشام على ذلك، فتكلَّم المعتزلة وأكثروا.
فقال الإمام (عليه السلام): إنكم قد أكثرتم عليَّ، فأسندوا أمركم إلى رجل منكم، وليتكلَّم بحججكم.
فتكلم بن عبيد عنهم قائلا: قد قتل أهل الشام خليفتهم، وشتَّت الله أمرهم، فنظرنا فوجدنا رجلا له دين وعقل، ومعدن للخلافة، فأردنا مبايعته، فمن بايعنا فهو منّا، ومن اعتزلنا كففنا عنه، ومن نصب لنا جاهدناه، وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك، فلا غنى بنا عن مثلك لمنزلتك وكثرة شيعتك.
فقال(عليه السلام): أكلُّكم على ما قال عمرو؟
قالوا: نعم.
فقال(عليه السلام): إنما نسخط إذا عصي الله، فإذا أطيع رضينا، أخبرني يا عمرو لو أن الأمَّة قلدتك أمرها، وقيل لك: ولِّها من شئت، فمن تولِّيها؟
قال: كنت أجعلها شورى بين المسلمين.
قال(عليه السلام): كلِّهم؟
قال: نعم.
فقال(عليه السلام): بين فقهائهم وخيارهم؟
قال: نعم.
فقال(عليه السلام): قريش وغيرهم؟
قال: نعم.
قال(عليه السلام): العرب والعجم؟
قال: نعم.
فقال الإمام(عليه السلام): يا عمرو أتتولَّى أبا بكر وعمر أو تتبرَّأ منهما؟
قال: أتولاَّهما.
فقال(عليه السلام): فقد خالفتهما.
فقال: وكيف؟
فقال(عليه السلام): قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور فيه أحداً، ثمَّ ردها أبو بكر عليه ولم يشاور فيه أحداً، ثمَّ جعلها عمر شورى بين ستة، وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار غير أولئك الستة من قريش، وأوصى فيهم شيئاً لا أراك ترضى به أنت ولا أصحابك!
قال: وما صنع؟
قال(عليه السلام): أمر صهيباً أن يصلّي بالناس ثلاثة أيام، وأن يشاور أولئك الستة، وأوصى من بحضرته من المهاجرين والأنصار أن يضربوا أعناق أولئك الستة إن مضت الأيام الثلاثة ولم يبايعوا أبا بكر، فإن اجتمع أربعة وخالف اثنان ضربت أعناق الإثنين، أفترضون بهذا؟
قالوا: لا.
فقال(عليه السلام): لو بايعت صاحبك الذي تدعوني إليه، ولم يختلف عليكم رجلان فيها، فأفضتم إلى المشركين الذين لا يسلمون ولا يؤدّون الجزية، أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون به على نهج رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟
قال: نعم.
فقال(عليه السلام): ما تصنع؟
قال: ندعوهم إلى الإسلام، فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية.
قال(عليه السلام): وإن كانوا ليسوا بأهل الكتاب؟
قال عمرو: سواء.
فقال(عليه السلام): وإن كانوا مشركي العرب وعبدة الأوثان؟
قال: سواء.
قال(عليه السلام): أتقرأ القرآن؟
قال: نعم.
فقرأ (عليه السلام): (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[1].
فاستثناء الله عزَّ وجلَّ واشتراطه من الذين أوتوا الكتاب، فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟
قال: نعم.
قال(عليه السلام): عمَّن أخذت هذا؟
قال: سمعته من الناس.
فقال(عليه السلام): فإن أبوا الجزية وقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة؟
قال: أخرج الخمس، وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل.
فقال(عليه السلام): والخمس لمن تعطيه؟
قال: حيثما سمَّى الله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)[2].
فقال(عليه السلام): ما للرسول(صلى الله عليه وآله) لمن تعطيه؟ ومن ذو القربى؟
قال: قد اختلف فيه الفقهاء فقال بعضهم: لقرابة النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)، ومنهم قال: للخليفة، وبعضهم قال: لقرابة الذين قاتلوا عليه من المسلمين.
فقال(عليه السلام): ما تقول أنت؟
قال: لا أدري.
قال(عليه السلام): فدع ذا. أرأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها؟
قال: نعم.
قال(عليه السلام): فقد خالفت رسول الله(صلى الله عليه وآله) في سيرته، لأنه صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم، ولا يهاجروا، على إن دهمه (غشيه) من عدوِّه دهم يستنفرهم فيقاتل بهم، وليس لهم في الغنيمة نصيب.
وقال(عليه السلام): ما تقول في الصدقة؟
قال: أقسمها على ثمانية أجزاء، فأعطي كل جزء من الثمانية جزءاً.
قال(عليه السلام): وان كان صنف منهم عشرة آلاف، وصنف منهم رجلا واحداً، جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟
قال: نعم.
قال(عليه السلام): وتجمع صدقات أهل الحضر وأهل البوادي، فتجعلهم فيها سواء؟
قال: نعم.
قال(عليه السلام): خالفت رسول الله(صلى الله عليه وآله) في كل ما قلت، فقسم(صلى الله عليه وآله) صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر، ولا يقسمه بينهم بالسويَّة، وإنما يقسمه على قدر ما يحضره منهم وما يرى.
وقال(عليه السلام): اتق الله يا عمرو، وأنتم أيُّها الرهط، فإنَّ أبي حدَّثني وكان خير أهل الأرض، وأعلمهم بكتابِ الله وسُنَّةِ نبيه(صلى الله عليه وآله) أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه، وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف»[3].
مجلة اليقين، العدد (35)، الصفحة (8 - 9).