الزرادشتية دين فارسي قديم يؤمن بالثنائية، أسسه زرادشت واكتمل تكوينه في القرن السابع قبل الميلاد. كان له تأثيره البالغ على عقائد الديانة اليهودية والمسيحية، وتتمتع الزرادشتية بأخلاق اجتماعية قوية إيجابية، فالعمل هو ملح الحياة، ولكن خلق الشخص لا يعبر عنه فقط فيما يفعل ويقول، بل بأفكاره، فلا بدّ للناس أن يقهروا بعقولهم الشكوك والرغبات السيئة وأن يقهروا الجشع بالرضا، والغضب بالصفاء والسكينة، والحسد بالإحسان والصدقات، والحاجة باليقظة، والنزاع بالسلام، والكذب بالصدق، ولم يبقَ من تعاليم زرادشت إلّا سبع عشرة ترنيمة تسمى الجاثات GA-THAS.[1]
وللزرادشتية رموز دينية، كالهنود، والسيخ، يعبرون بها عن الإيمان بمعتقداتهم، وتعدّ جزءاً من زيهم اليومي، أهمها:
1ـ الكوشتي Kushti: جعل فيه اثنان وسبعون خيطاً ترمز لأسفار (اليسنا) Yasna، وهي تعقد مرات عديدة في اليوم تعبيراً عن تصميم الدين والأخلاقي معاً.
2ـ ارتداء قميص(الساندر) Sandre منذ سن البلوغ، ويرتدي الكهنة رداء أبيض وعمامة بيضاء وقناعاً على الفم أثناء تأدية الطقوس تجنباً لتلويث النار المقدسة بأنفاسهم.
3ـ صلاة الصبح (كاه هاون)، وصلاة الظهر (كاه رقون)، وصلاة العصر (كاه أزيرن)، وصلاة الليل (كاه عيون سرتيرد)، وصلاة الفجر (كاه اشهن)، وهناك احتفالات وصلوات خاصة لجميع المناسبات الكبرى في الحياة: الميلاد، والبلوغ، والزواج، والإنجاب، والموت.
4ـ وضع الجثة فوق (أبراج الصمت) لتأكلها الطيور الجارحة، وهناك طقوس وأعمال عبادة وتطهر[2].
الآلهة:
كان أكبر الآلهة في الدين السابق للدين الزردشتي (مثرا) إله الشمس، و(أنيتا) إلهة الخصب والأرض، و(هَوْما) الثور المقدس الذي مات ثمّ بُعث حياً، ووهب الجنس البشري دمه شراباً ليسبغ عليه نعمة الخلود.
وكان الإيرانيون الأولون يعبدونه بشرب عصير الهَوْما المسكر، وهو عشب ينمو على سفوح جبالهم.
وهال زردشت ما رأى من هذه الآلهة البدائية، وهذه الطقوس الخمرية، فثار على المجوس أي: الكهنة الذين يصلون لتلك الآلهة ويقرّبون لها القرابين، وأعلن في شجاعة لا تقل عن شجاعة معاصريه (عاموس)، و(إشعيا)، أنّ ليس في العالم إلّا إله واحد هو في بلاده (أهورا مزدا) إله النور والسماء، وأنّ غيره من الآلهة ليست إلّا مظاهر له وصفات من صفاته. ولعلّ (دارا الأول) حينما اعتنق الدين الجديد رأى فيه ديناً ملهماً لشعبه، ودعامة لحكومته، فشرع منذ تولى الملك يثير حرباً شعواء على العبادات القديمة وعلى الكهنة المجوس، وجعل الزردشتية دين الدولة.
وكان الكتاب المقدس للدين الجديد هو مجموعة الكتب التي جمع فيها أصحاب النبي ومريدوه أقواله وأدعيته. وسمّى أتباعه المتأخرون هذه الكتب الأبستا (الأبستاق)، وهي المعروفة عند العالم الغربي باسم (الزند أبستا)، بناء على خطأ وقع فيه أحد العلماء المحدثين. ومما يروع القارئ غير الفارسي في هذه الأيام أن يعرف أنّ المجلدات الضخمة الباقية- وإن كانت أقل كثيراً من كتاب التوراة- ليست إلّا جزءاً صغيراً مما أوحاه إلى زرثسترا إلهه[3].
الطقوس:
لما كان زرادشت من عبدة النار، فقد انتشرت بيوت النار في كل أنحاء الإمبراطورية الفارسية، ثمّ أصبحت المجوسية اسماً لكل الديانات الفارسية ومنها الزرادشتية.
وقد قضى الإسلام على الزرادشتية في القرن السابع الميلادي، فمع الفتح الإسلامي سنة (635م) تبنى الإيرانيون ديانة الفاتحين، ولكن مجموعة منهم لاذوا بالجبال والتصقوا بالعقيدة الوطنية ـ الزرادشتية رمزاً للاستقلال، وقد هاجر بعضهم إلى الهند، ويصل عددهم إلى أكثر من مئة ألف يعيشون في قسمها الشرقي وحول بومباي ويدعون البارسيين، وهوتحريف لاسمهم الأصلي الفارسيين[4].
ومن خلال ما قدمناه عن نشأة هذه الديانة ومعتقدات أصحابها يتبين للسائل زيفها وبطلانها، وأنّها لم تكن من الديانات السماوية، ولا صاحبها برسول من عند الله سبحانه وتعالى، وأنّها مثلها مثل البوذية والهندوسية وغيرهما من الديانات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
والدليل على هذا أنّ الإسلام سوى بين أتباعها وبين المشركين في التعامل، فلم يبح زواج نسائهم ولا أحلّ أكل ذبائحهم، كما هو الحاصل في المسيحية واليهودية.
وعلى هذا، فلا يجوز للمسلم مدحها فضلاً عن التعلّق بها؛ لأنّه لا شك في كفر مَن ابتغى ديناً غير الإسلام، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[5]، وإذا كان هذا ينطبق على الديانات السماوية فبالأحرى ينطبق على غيرها من الضلالات.
المصدر: مجلة اليقين العدد (63)