يحكى أن في يوم من الأيام كانت هناك امرأة تصنع الخبز كل يوم لأسرتها الصغيرة، وكانت عادتها دائماً أن تقوم بصناعة رغيف خبز إضافياً تعطيه لأي عابر سبيل جائع يمر عليها، وتضع هذا الرغيف الاضافي على شرفة منزلها حتى يأخذه الشخص الذي يحتاجه، وكان في كل يوم يمر رجل فقير أحدب ويقوم بأخذ الرغيف وتناوله، ولكن بدلاً من شكر أهل البيت وإظهار الامتنان لفعله الطيب كان دائماً يقول: (الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك)!.
وهكذا مرت الأيام والرجل الاحدب يمر كل يوم يأخذ رغيف الخبز ويقول نفس الكلمات حتى شعرت المرأة بالضيق من هذا الرجل الذي لا يشكرها على فعلها الطيب معه، ولا يظهر لها الاعتراف بالجميل والعرفان، حتى أخذت تفكر في نفسها قائلة: كل يوم يمر ويأخذ الخبز ويردد هذه الجملة الغامضة وينصرف، فماذا يقصد ولماذا يقوم بهذا الفعل العجيب؟!
وذات يوم قررت هذه المرأة التخلص من هذا الرجل، فأضافت بعض السم في رغيف الخبز ووضعته على الشرفة كعادتها، لكن بدأت يدها ترتجف في تردد قائلة: ماذا أفعل هل اقتل روحاً بلا حق؟! وعلى الفور راجعت نفسها وألقت الرغيف في النار وتركته ليحترق، ثم صنعت غيره ووضعته على النافذة، وكما هي العادة جاء الأحدب وأخذ الرغيف وهو يدمدم: (الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك)! وانصرف إلى سبيله وهو غير مدرك للصراع المستعر في عقل المرأة.
وكان لدى هذه المرأة ولد غائب عنها لزمن طويل حيث سافر بحثاً عن فرصة عمل ليؤمن مستقبله، ولشهور طويلة لم تصل منه أي أخبار، فكانت المرأة تشعر بالقلق الشديد والخوف على ولدها، وكانت دائماً تدعو الله عز وجل أن يعود لها آمناً سالماً، وفي نفس اليوم الذي تخلصت فيه من رغيف الخبز المسموم دق الباب في المساء وحينما فتحته وجدت ابنها واقفاً بالباب... كان متعباً وشاحباً وثيابه متسخه، رحبت به المرأة واحتضنته في حرارة، وبدأ الابن يحكي لها عن يومه الشاق.
قال الولد: لقد سرت طويلاً حتى شعرت بالإجهاد الشديد والإعياء وكدت انهار لولا أن قابلت رجل أحدب فقير رق لحالي وأعطاني رغيف من الخبز لآكله، وأثناء إعطاءه لي قال: أن هذا هو طعامه كل يوم واليوم سيعطيه لي: لأن حاجتي أكبر كثيراً من حاجته... عندما سمعت الأم ظهر الرعب على وجهها وأخذت تبكي، فقد تذكرت الرغيف المسموم، وأدركت أن لولا انها ألقته في النار وأحرقته لكان قد وصل إلى ابنها ومات... حينها فقط علمت معنى كلمات الرجل الأحدب: (الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك)!.
المصدر: مجلة بيوت المتقين، العدد (92)، صفحة (30)