إن أبرز ما ألصق بسيرة أم كلثوم ابنة أمير المؤمنين (عليه السلام) كذباً وزوراً زواجها من عمر بن الخطاب، والذي لُفّق لغايات سياسية ومذهبية وإنْ تناوله المؤرخون بالتسليم مع إنكار الواقع، والمنطق له.
ونرد ذلك بوجهين:
الأول: إن من ابتدع أمثال هذه الروايات هم وعّاظ السلاطين لمقتضى مصلحتهم ومصلحة السلطة الحاكمة آنذاك، فالراوي هو (الزبير بن بكار) وكان من الوضّاعين الكذابين كما أشارت إليه المصادر التاريخية، وكان متهماً في عقيدته ودينه، وذكره الحافظ أحمد بن علي السليماني في كتابه (الضعفاء)، وياقوت الحموي في كتابه (معجم الأدباء) من الزمرة الآنفة الذكر! فلا يختلف فيه اثنان من المؤرخين على كذبه وتدليسه، وقال الشيخ المفيد عن هذه الرواية: (إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين (عليه السلام) ابنته من عمر غير ثابت، وطريقه من الزبير بن بكار، ولم يكن موثوقا به في النقل، وكان متهما فيما يذكره، وكان يبغض أمير المؤمنين (عليه السلام)، وغير مأمون فيما يدعيه على بني هاشم)[1].
ورواية ابن بكار تنفي نفسها بنفسها وتفند هذا الزواج بسبب طريقة سردها فقد رويت تماهياً مع نفس الراوي الدنيئة وأخلاقه الوضيعة، لما فيها من انتقاص أخلاقي وديني لأمير المؤمنين (عليه السلام) وابنته الجليلة بكيفية عرضها على عمر لتزويجها منه والتي يأبى المسلم السوي من سماعها[2].
الوجه الثاني: غرابة تزويجها من عمر وهي لم تتجاوز الـ (10) سنوات وهو بعمر (56) سنة مما يقلل فرص ذلك الزواج، فقد ولدت سنة (6 هـ)، وهو ولد (40 ق. هـ) وقتل سنة (23هـ).
وبعض المؤرخين تخبطوا بجهلهم فزوجوها حتى للأموات، كما في الطبقات الكبرى (ج8 ص463)، والبداية والنهاية (ج5 ص 309).
والصحيح أنها تزوجت من ابن عمها عون بن جعفر بن أبي طالب ولم تتزوج غيره لا قبله ولا بعده، كما تزوجت أختها الحوراء زينب من أخيه عبد الله، فكانتا مصداقاً لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما رأى بنات علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأولاد جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) وهم صغار فقال (صلى الله عليه وآله): «بنونا لبناتنا وبناتنا لبنينا»[3].
المصدر: مجلة اليقين، العدد (62)، الصفحة (10).